وقوانين لغيرها. فإن قلت: هل يجوز أن يكون (تَذْكِرَةً) بدلا من محل (لِتَشْقى)؟ قلت: لا، لاختلاف الجنسين، ولكنها نصب على الاستثناء المنقطع الذي (إلا) فيه بمعنى «لكن» ويحتمل أن يكون المعنى: إنا أنزلنا عليك القرآن لتحتمل متاعب التبليغ ومقاولة العتاة من أعداء الإسلام ومقاتلتهم وغير ذلك من أنواع المشاق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لاختلاف الجنسين)، قال صاحب "الفرائد": هذا ليس بجواب. الجوابُ أن يُقال: المبدلُ منه لابد من أن لا يكون مقصوداً في الكلام، والمقصود هو البدل، ولهذا يجوز اطراحه إلا حيث لا يستقيم بقية الكلام، كما في قولك: زيدٌ أرأيت غلامه رجلاً صالحاً، وهاهنا (لِتَشْقَى) مقصود في الكلام، واطراحه يخل بالمقصود مع أن بقية الكلام يصح بعد اطراحه. وقال صاحب "التقريب": لا يجوز البدل لاختلاف الجنسين في الانتصاب، لكنه نُصب على الاستثناء المنقطع.
وقلتُ: الظاهر أن مقصود المصنف من قوله: "اختلاف الجنسين" أن التذكرة والشقاوة لا تتراءى ناراهما، ولو أبدلته منه لكنت جعلت الشيء بدلاً مما لا يجانسه، والقائم مقام الشيء لابد أن يكون بينهما مجانسة، ولأن البدل كالبيان للمبدل من حيث الإيضاح وكالتأكيد له من حيث تكرير العامل، كما سبق في (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة ٦ - ٧]، ولهذا جاز أن يكون استثناء منقطعاً؛ لأن اختلاف الجنسية شرط فيه، إما تحقيقاً نحو: ما جاءني أحدٌ إلا حماراً، أو تقديراً نحو (إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ) [الحجر: ٥٨ - ٥٩]، على ما سبق، ويؤيده ما ذكره صاحب "الكشف": لا يجوز البدلُ؛ لأن التذكرة ليست من الشقاوة في شيء ليس هو إياه ولا بعضه ولا مشتملاً عليه.
قوله: (المعنى: إنا أنزلنا عليك القرآن لتحتل متاعب التبليغ)، يريد أن (لِتَشْقَى) تعليلٌ لـ (أَنزَلْنَا)، ثم دخل النفيُ على المعلل والاستثناء متصلٌ إما على تقدير الحال، فيقال: