ولا يخلو من أن يكون متعلقُه إما (تَنْزِيلًا) نفسه فيقع صلة له، وإما محذوفا فيقع صفة له. فإن قلت: ما فائدة النقلة من لفظ المتكلم إلى لفظ الغائب؟ قلت: غير واحدة منها عادة الافتنان في الكلام وما يعطيه من الحسن والروعة. ومنها أنّ هذه الصفات إنما تسردت مع لفظ الغيبة. ومنها أنه قال أولا: (أَنْزَلْنا) ففخم بالإسناد إلى ضمير الواحد المطاع. ثم ثنى بالنسبة إلى المختص بصفات العظمة والتمجيد فضوعفت الفخامة من طريقين: ويجوز أن يكون (أَنْزَلْنا) حكاية لكلام جبريل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ولا يخلو من أن يكون متعلقه)، الضمير في "لا يخلو": راجعٌ إلى قوله: "ما بعد (تَنزِيلاً) ". وعليه قول صاحب "التقريب" في قول المصنف: "فيقع صلة"، ويُمكن أن يقال: إن "مَن" فاعل، أي: لا يخلو من أن يكون، يعني (مِمَّنْ خَلَقَ) إما أن يكون معمولاً لـ (تَنزِيلاً) أو لمُقدر، وهو صفة (تَنزِيلاً)، والصفة أدخل في التفخيم والتعظيم المطلوب؛ لأن الصفة حينئذ تكون مادحة.
قوله: (أن هذه الصفات إنما تسردت مع لفظ الغيبة)، يعني قوله: (وَالسَّمَوَاتِ الْعُلا (٤) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى* لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ... اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ)، فلو دام على لفظ المتكلم لم يحسن سرد هذه الصفات على ما هو عليه؛ لأن المعنى: إنا أنزلنا عليك القرآن تذكرة لمن يخشى، تنزيلاً ممن هو مستحقٌّ لأن يُطاعَ فيما أمرَ ونهى، وأن يُعبد ويُخضع له، وأن لا يُستعان إلا به لأنه متصفٌ بهذه الصفات الكاملة، ومن الأسلوب قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ) بالنساء: ٦٤]، فلم يقل: استغفرت لهم؛ تعظيماً لشأن الرسول ﷺ وتفخيماً لاستغفاره، وتنبيهاً على أن شفاعة من اسمه الرسول من الله بمكان.
وأما قوله: "إن هذه الصفات إنما تسردت على لفظ الغيبة"، فمعناه: أنه ما انتقل من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة كما عليه ظاهرُ الالتفات، وإنما انتقل منه إلى ما من حقه أن يكون على لفظ الغيبة، وهو المُظهر، كما في هذه الآية من لفظ الرسول، فهو في الحقيقة من وضع المُظهر موضع المضمر لتوخي بيان العلة؛ لأن حق العود بعد المضمر أن يُجاء بالمضمر.
قوله: (فضوعفت الفخامة من طريقين)، يعني: إذا ابتدئ الكلامُ بنوع من التعظيم،