والملائكة النازلين معه. وصف السموات بالعلى: دلالة على عظم قدرة من يخلق مثلها في علوها وبعد مرتقاها.
(الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى) [طه: ٥ - ٦].
قرئ: (الرَّحْمنُ) مجروراً صفة لمن خلق والرفع أحسن، لأنه إما أن يكون رفعا على المدح على تقدير: هو الرحمن. وإما أن يكون مبتدأ مشارا بلامه إلى "من خلق". فإن قلت: الجملة التي هي: (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) ما محلُّها - إذا جررت "الرحمن" أو رفعته على المدح؟ قلت: إذا جررت فهي خبر مبتدأ محذوف لا غير وإن رفعت جاز أن تكون كذلك وأن تكون مع "الرحمن" خبرين للمبتدأ. لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك مما يردف الملك، جعلوه كناية عن الملك فقالوا: استوى فلان على العرش يريدون ملك وإن لم يقعد على السرير البتة، وقالوه أيضا لشهرته في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو إتيان الضمير الدال على أن المتكلم به معظمٌ مطاعٌ ذو سلطان، ثم ثنى بما يتمكن من إجراء الأوصاف الجليلة على الموصوف بنوع التعظيم وتكرر المعنى المقصود، ويفوت هذا لأن أجري الكلام على سنن واحد.
قوله: (وإما أن يكون مبتدأ مشاراً بلامه إلى "من خلق")، يريدُ أن التعريف فيه كالتعريف في قوله: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى) [آل عمران: ٣٦]، فإن المشار إليه ما يُعلم من مفهوم قوله: (نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) [آل عمران: ٣٥]، من الذكورة، فإنه لما قيل: (مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلا) فُهِم منه معنى الرحمن، وأنه مولى جلائل النعم، ولا نعمة أجل من إيجاد الأشياء من العدم، فأشير باللام إلى ذلك المعهود، كأنه قيل: ذلك الخالقُ (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، وفيه إثباتُ وصفين مستقلين، أي: الخالقية والمالكية.
قوله: (قالوه أيضاً)، جزاءٌ لقوله: "وإن لم يقعد"، وقوله: "ملك" مفعولٌ لقوله: