أسررته في نفسك (وَأَخْفى) منه وهو ما ستسره فيها. وعن بعضهم: أن "أخفى" فعل يعنى أنه يعلم أسرار العباد وأخفى عنهم ما يعلمه، هو كقوله تعالى: (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [طه: ١١٠]، وليس بذاك. فإن قلت كيف طابق الجزاء الشرط؟ قلت: معناه وإن تجهر بذكر الله من دعاء أو غيره فاعلم أنه غنى عن جهرك،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وعن بعضهم أن "أخْفَى" فعلٌ)، قال محيي السنة: رُوي عن زيد بن أسلم؛ أي: يعلمُ أسرار العباد، وأخفى سرهُ عن عباده، فلا يعلمه أحدٌ، تحريرهُ أنه يعلمُ أسرار العباد، العبادُ لا يعلمون أسراره، كقوله تعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [طه: ١١٠].
قوله: (وليس بذاك) أي: الشرط لا يلائمه، لأن الكلام ليس في إثبات العلم لله تعالى ونفيه عما سواه. قال صاحب "الانتصاف": يلزمُ منه عطفُ الجملة الفعلية على الاسمية إن عطفته على الجملة الكبرى، أو عطفُ الماضي على المضارع إن عطفت على الجملة الصغرى، هذا من اللفظ، ومن المعنى: القصد: الحض على ترك الجهر وسقوط فائدته، يعلم الله ما هو أخفى منه، وإذا جعلته فعلاً ماضياً خرج عن قصد السياق، وليس مثله قوله تعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [طه: ١١٠]، إذ بين السياقين اختلاف.
قوله: (فاعلم أنه غنيٌّ عن جهرك)، فيه إيذانٌ بأن السُّؤال عن وجه ترتب الجزاء على الشرط، يعني: أن من شرط الجزاء أن يكون مسبباً عن الشرط، وهاهنا الشرطية مفقودة. وأجاب بوجهين مآلهما إلى تقدير الإعلام والتنبيه والتوبيخ، والجواب الأول مبنيٌّ على نفي الجهر وإثبات الغير، والثاني على الإرشاد إلى وجه حكمته، أما قوله أولا: "فاعلم أنه غني عن جهرك" فتوبيخٌ؛ يعني: جهرك بالقول سببٌ لأن أوقفك على قلة جدواه؛ لأن السامع