ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قريبٌ يسمعُ السر وأخفى، ومنه: تأديب رسول الله ﷺ أصحابه، روينا عن البخاري ومسلم، عن أبي موسى قال: كنا مع رسول الله ﷺ في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اربعوا على أنفسكم، إنكم ما تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعاً بصيراً وهو معكم" الحديث.
وأما قولُه ثانياً: "أن يكون نهياً عن الجهر" فمعناهُ: لا تجهروا بالقول في الدعاء، بل اعتمدوا الخُفية، فإنها أبعدُ من الرياء وأقربُ إلى الخضوع وأهضمُ للنفس، كما قال تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ) [الأعراف: ٢٠٥]. وأما قوله ثالثاً: تعليماً للعباد، فتأويله: إني ما كلفتكم الجهر لأني لا أسمع إلا الجهر، فإني أسمع السر وأخفى، وإنما كلفتكم لأمر آخر فروموه من مظانه، كأنه قيل: شرعية الأمر بالجهر سببٌ للتنبيه على وجه الحكمة ودفع الريبة، قال القاضي: الغرض في شرعية الجهر يس لإعلام الله، بل لتصوير النفس بالذكر ورسوخه فيها، ومنعها عن الاشتغال بغيره وهضمها بالتضرع والجؤار.
وقلتُ: وقد أسلفنا في خاتمة الأعراف مراتب الدعاء بحسب اختلاف المقامات على لسان العارفين. ومن الاعتبارين ما روينا عن أبي داود والترمذي، عن أبي قتادة: أن رسول الله ﷺ خرج ليلةً، فإذا هو بأبي بكر رضي الله عنه يخفض من صوته، ومر بعمر رضي الله عنه يُصلي يرفع صوته، فسأل أبا بكر فقال: قد أسمعت من ناجيت يا رسول الله، وسأل عمر رضي الله عنه فقال: أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان. وأخرج الإمام أحمد نحوه عن علي، وزاد الحسن في حديثه فقال: "يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئاً"، وقال لعمر: "اخفض من صوتك شيئاً". ورواه أبو داود، عن أبي هريرة أيضاً.


الصفحة التالية
Icon