(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) [طه: ١١ - ١٤].
قرأ أبو عمرو وابن كثير (أِنِّي) بالفتح، أى: نودي بأنى (أَنَا رَبُّكَ) وكسر الباقون، أى: نودي فقيل يا موسى. أو لأنّ النداء ضرب من القول فعومل معاملته. تكرير الضمير في (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) لتوكيد الدلالة وتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة. روى أنه لما نودي (يا مُوسى) قال: من المتكلم؟ فقال له الله عز وجل: (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ)، وأن إبليس وسوس إليه فقال: لعلك تسمع كلام شيطان. فقال: أنا عرفت أنه كلام الله بأنى أسمعه من جميع جهاتى الست، وأسمعه بجميع أعضائي. وروي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أي: نُودي فقيل: يا موسى)، قال صاحب "الكشف": فعلى هذا الذي قام مقام الفاعل في الحقيقة في (نُودِي) هو: المصدر، دون قوله: (يَا مُوسَى)؛ لأنه جملةٌ، والجملة لا تقوم مقام الفاعل، ألا ترى أنه قال في قوله: (ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّه) [يوسف: ٣٥]، أن التقدير: ثم بدا لهم بداءٌ، ولا يقوم (لَيَسْجُنُنَّه) مقام الفاعل؛ لأنه جملةٌ والجملُ نكرات، والفاعلُ يضمرُ، والمضمر أعرف المعارف، فإذن التقدير: نودي النداء، ثم فسر فقيل: (يَا مُوسَى).
قوله: (بأني أسمعه من جميع جهاتي الست وأسمعه بجميع أعضائي)، قال صاحب "الانتصاف": إن كان الزمخشري قصد بهذا التعصب لمذهبه في حدوث الكلام لا يبعد منه، وإن كن نقلهن كما وجده في كتب التفسير، فلا عليه، والمعتقد الحق أن الذي سمعه موسى ليس حرفاً ولا صوتاً، إذ لو كان صوتاً عرضٌ، والعرضُ الواحدُ لا يوجد في الجهات الست، فعبر بنفي لازم كونه صوتاً عن ني الصوت، كقوله صلوات الله عليه: "وكلتا يديه يمينٌ"، أي: لو كانتا جارحتين لكانت أحداهما يُسرى.


الصفحة التالية
Icon