كثروا تلك الكثرة فقدوتهم فيما هم فيه هو الهوى واتباعه، لا البرهان وتدبره. وفي هذا حث عظيم على العمل بالدليل، وزجر بليغ عن التقليد، وإنذار بأن الهلاك والردى مع التقليد وأهله.
(وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) [طه: ١٧ - ١٨].
(وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) كقوله تعالى: (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود: ٧٢]، في انتصاب الحال بمعنى الإشارة: ويجوز أن تكون (تِلْكَ) اسماً موصولاً صلته (بِيَمِينِكَ) إنما سأله ليريه عظم ما يخترعه عز وعلا في الخشبة اليابسة من قلبها حية نضناضة وليقرر في نفسه المباينة البعيدة بين المقلوب عنه والمقلوب إليه، وينبهه على قدرته الباهرة. ونظيره أن يريك الزرّاد زبرة من حديد ويقول لك: ما هي؟ فتقول: زبرة حديد، ثم يريك بعد أيام لبوسا مسردا فيقول لك: هي تلك الزبرة صيرتها إلى ما ترى من عجيب الصنعة وأنيق السرد. قرأ ابن أبى إسحاق: (عصىّ)، على لغة هذيل.
ومثله: (يا بُشْرى) [يوسف: ١٩] أرادوا كسر ما قبل ياء المتكلم فلم يقدروا عليه، فقلبوا الألف إلى أخت الكسرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كقوله: (وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً) [هود: ٧٢] في انتصاب الحال)، قال أبو البقاء: "ما": مبتدأ، و (تِلْكَ): خبره، و (بِيَمِينِكَ): حالٌ يعمل فيها معنى الإشارة.
قوله: (نضناضة)، الأساس: حيةٌ نضناضةٌ تنضنض لسانها: تُحركها، قال:

تبيت الحية النضناض منه مكان الحب يستمع السرارا
قوله: (زبرة)، الجوهري الزبرة: القطعة من الحديد.


الصفحة التالية
Icon