فكنوا عنه بالأبرش،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فكنوا عنه بالأبرش)، الجوهري: البرشُ في شعر الفرس: نكتٌ صغارٌ تخالفُ سائر لونهن والفرس أبرش، والبرص: البياض في ظاهر الجلد، وفي زعم الأطباء: مادة نفاحةٌ بسبب اجتماع الرطوبات اللزجة، وكان من أخبار جذيمة على ما ذكره ابن الأثير في "الكامل": أنه كان من أفضل الملوك رأياً وأبعدهم مغاراً وأشدهم نكاية، وأول من استجمع له الملك بأرض العراق وضم العرب، وكان به برص، فكنت العرب عنه فقيل: الوضاح والأبرش إعظاماً له، وكانت منازله بين الحيرة والأنبار، وكان ملك العرب بأرض الجزرة ومشارف الشام عمرو بن الظرب العمليقي، فحاربه جذيمة وقتله، وملكت بعد عمرو ابنته الزباء واسمها: نائلة، فلما استحكم مُلكها أجمعت لغزو جذيمة تطلب ثأر أبيها، فأشارت لها أختها زينب بترك الحرب وإعمال الحيلة، فأجابتها إلى ذلك، وكتبت إلى جذيمة تدعوه على نفسها وملكها، فلما انتهى الكتاب إلى جذيمة استخفه ما دعته إليه، وجمع إليه ثقاته واستشارهم، وأجمع رأيهم على المسير إليها، فخالفهم قصير، وكان أريباً حازماً ناصحاً قريباً منه، وقال: "رأيٌ فاتر وعدو حاضر" فذهبت مثلاً، اكتب إليها، فإن كانت صادقة فلتقبل إليك، وإلا لا تمكنها من نفسك وقد وترتها وقتلت أباها، فلم يُوافق جذيمة رأيه.
فاستخلف جذيمة عمرو بن عدي ابن أخته على مُلكه فسار في وجوه أصحابه، فلما نزل الفرضة استقبلته رسل الزباء بالهدايا والألطاف فقال: يا قصير، كيف ترى؟ فقال: "خطبٌ يسير في خطب كبير" فذهبت مثلا، وستلقاك الخيول، فإن سارت أمامك فإن المرأة صادقة، وإن أخذت جنبيك وأحاطت بك فإن القوم غادرون، فاركب العصا، وكانت فرساً لجذيمة لا تُباري، فإني راكبها ومسايرك عليها، فلقيته الكتائب فحالت بينه وبين العصا، فركبها قصيرٌ ونظر إلى جذيمة مولياً على متنها، فقال: "ويلُ أمةٍ حزمها على ظهر العصا"، فذهبت مثلاً.


الصفحة التالية
Icon