وإما أن يتعلق بمحذوف هو صفة لمحبة، أى: محبة حاصلة أو واقعة منى، قد ركزتها أنا في القلوب وزرعتها فيها، فلذلك أحبك فرعون وكل من أبصرك. روى أنه كانت على وجهه مسحة جمال، وفي عينيه ملاحة، لا يكاد يصبر عنه من رآه (عَلى عَيْنِي) لتربى ويحسن إليك وأنا مراعيك وراقبك،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وإما أن يتعلق بمحذوفٍ)، يعني: الجار والمجرور، يحتمل أن يكون ظرفاً لغواً، وأن يكون مستقراً، على الأول: "من" ابتدائي، فيكون إنشاء إلقاء المحبة من الله، ثم يسري منه إلى الخلق، وإليه الإشارة بقوله: "من أحبه الله تعالى أحبته القلوبُ"، وعلى الثاني: إما أن يُقدر عاملاً عاماً، كما هو المشهور، وهو المراد من قوله: "أي: محبةً حاصلةً - أي كائنة موجودة- مني"، أو خاصاً لقرائن الأحوال، وهو أن الله تعالى أوقع محبته في قلب آسية وأعدى عدوه فرعون وغيرهما، وإليه الإشارة بقوله: "قد ركزتها أنا في القلوب"، فلذلك أحبك فرعونُ، وكل من أبصرك، والوجه الثاني أشمل من حيث المنطوق، والأول أدخلُ في البلاغة من حيث المفهوم، ويساعد عليه ما روينا عن البخاري ومالك والترمذي عن أبي هريرة، أن النبي ﷺ قال: "إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض"، ورواية مسلم أبسط من هذا.
قوله: (مسحة جمال)، الأساس: مسحه بالماء والدهن، ومسح رأسه: أمر يده عليه، ومن المجاز: به مسحةٌ من جمال، يعني: كأن الجمال مسح وجهه، ومنه بيت الحماسة:

على الوجه مني مسحةٌ من ملاحةٍ وتحت الثياب الخزي لو كان باديا
قوله: (وأنا مُراعيك وراقبك)، وفي نسخة: "ورافيك" من: رفوته سكينة من رُعب، يريد أن (عَلَى عَيْنِي): حالٌ من المستتر المرفوع في "لتُصنع"، وليس بصلة "لتُصنَعَ".


الصفحة التالية
Icon