وقضى أوفى الأجلين. أي سبق في قضائي وقدرى أن أكلمك وأستنبئك، وفي وقت بعينه قد وقته لذلك، فما جئت إلا على ذلك القدر غير مستقدم ولا مستأخر. وقيل: على مقدار من الزمان يوحى فيه إلى الأنبياء، وهو رأس أربعين سنة. هذا تمثيل لما خوّله من منزلة التقريب والتكريم والتكليم. مثل حاله بحال من يراه بعض الملوك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقضى أوفى الأجلين)، أي: المذكورين في قوله تعالى حكاية عن شُعيب: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَاجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ... ) إلى قوله: (... فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ) [القصص: ٢٩].
قوله: (قد وقته لذلك)، أي: التكليم والاستنباء. المُغرب: الوقت من الأزمنة المبهمة، ثم استعمل في كل حد، وقد اشتقوا منه فقالوا: وقت الله الصلاة ووقتها، أي: بين وقتها وحدده، ثم قيل لكل محدودٍ: موقوتٌ وموقت.
قوله: (هذا تمثيل لما خوله)، يعني قوله: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) لا يجوز أن يجري على ظاهره لاستغنائه تعالى عن ذلك، فهو استعارةٌ تمثيلية وبيانها قوله "مثل حاله بحال من يراه" إلى آخره.
الراغب: الصنيعة ما اصطنعته من خير. وفرس صنيع: أُحسن القيام عليه، عُبر عن الأمكنة الشريفة بالمصانع، قال تعالى: (وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ) بالشعراء: ١٢٩]، وكُني عن الرشوة بالمصانعة، والاصطناع: المبالغة في إصلاح الشيء، قال تعالى: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) [طه: ٤١]، قوله: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) إشارة إلى نحوٍ ما قال بعض الحكماء: إن الله إذا أحب عبداً تفقده كما يتفقد الصديقُ الصديقَ، والصنعُ: إجادةُ الفعل، ولا ينسبُ إلى الحيوانات والجمادات، كما ينسب إليها الفعل، قال تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [النمل: ٨٨]، وللإجادة يقالُ للاذق المجيد: صنعٌ وللمرأة صناع.


الصفحة التالية
Icon