من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه، فهو يجتهد بطوقه، ويحتشد بأقصى وسعه. وجدوى إرسالهما إليه مع العلم بأنه لن يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ)] طه: ١٣٤ [، أى: يتذكر ويتأمّل فيبذل النصفة من نفسه والإذعان للحق (أَوْيَخْشى) أن يكون الأمر كما تصفان، فيجرّه إنكاره إلى الهلكة.
(قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) [طه: ٤٥].
فرط: سبق وتقدّم. ومنه الفارط: الذي يتقدّم الواردة. وفرس فرط: يسبق الخيل، أى: نخاف أن يعجل علينا بالعقوبة ويبادرنا بها. وقرئ (يَفْرُطَ) من أفرطه غيره إذا حمله على العجلة. خافا أن يحمله حامل على المعاجلة بالعقاب من شيطان، أو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما كان وما سيكون (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ) [يونس: ٦١]، وقوله: "وجدوى إرسالهما" إلزام عطفٌ على قوله: "والترجي لهما".
قوله: (يتقدم الواردة)، أي: الذين يردون الماء.
قوله: (وقرئ: "يفرط"، من: أفرطه غيره)، هذه القراءة وما بعدها شاذتان. والمشهور: (أَنْ يَفْرُطَ) بفتح الياء وضم الراء، قال ابن جني: القراءة بفتح الراء وضم الياء لابن محيصن، وهي منقولة من (يَفْرُطَ عَلَيْنَا) أي: يسبق ويُسرع، فكأنه يفرطه مفرطٌ، أي: يحمله حاملٌ على السرعة وترك التأني بنا، والحم على العجلة في بابنا.
قال أبو البقاء الجمهور على فتح الياء وضم الراء، فيجوز أن يكون التقدير (أن يَفْرُطَ عَلَيْنَا) منه قولٌ، فأضمر القول، كما تقول: فرط مني قول. أو الفاعل: ضميرُ فرعون كما في (أَنْ يَطْغَى).