(قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَاتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [طه: ٤٦ - ٤٨].
(مَعَكُما) أى حافظكما وناصركما (أَسْمَعُ وَأَرى) ما يجرى بينكما وبينه من قول وفعل، فأفعل ما يوجبه حفظي ونصرتي لكما، فجائز أن يقدّر أقوالكم وأفعالكم، وجائز أن لا يقدّر شيء، وكأنه قيل: أنا حافظ لكما وناصر سامع مبصر. وإذا كان الحافظ والناصر كذلك، تمّ الحفظ وصحت النصرة، وذهبت المبالاة بالعدّو. كانت بنو إسرائيل في ملكة فرعون والقبط، يعذبونهم بتكليف الأعمال الصعبة: من الحفر والبناء ونقل الحجارة، والسخرة في كل شيء، مع قتل الولدان، واستخدام النساء.
(قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) جملة جارية من الجملة الأولى وهي (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) مجرى البيان والتفسير لأنّ دعوى الرسالة لا تثبت إلا ببينتها التي هي المجيء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فجائز أن يُقدر)، الفاء تفصيل لقوله: "ما يجري بينكما وبينه من قول أو فعل"، يعني: يجوز إرادة هذا المعنى من التركيب، إما بالتقدير بحسب القرائن، وإما بغير التقدير على سبيل الكناية، بأن يجعل الفعل المتعدي لازماً ليعم، ثم يكنى به عن فعل خاص ما فعل البحتري في قوله:
شجو حساده وغيظ عداه | أن يرى مبصر ويسمع واع |
قوله: (مجرى البيان والتفسير)، وإنما لم يكن بياناً تاماً؛ لأنه في الظاهر كالعلة، والعلة غير المعلول، كأنه لما قالا: (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ)، فقيل: لم قالا: (قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ)؟ لان دعوة الرسالة لا تثبت إلا ببينتها، إلى آخره.