بالآية، إنما وحد قوله (بِآيَةٍ) ولم يثن ومعه آيتان، لأنّ المراد في هذا الموضع تثبيت الدعوى ببرهانها، فكأنه قال: قد جئناك بمعجزة وبرهان وحجة على ما ادعيناه من الرسالة، وكذلك (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)] الأعراف: ١٠٥ [، (فَاتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)] الشعراء: ١٥٤ [، (أَوَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ)] الشعراء: ٣٠ [.
يريد: وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين، وتوبيخ خزنة النار والعذاب على المكذبين.
(قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [طه: ٤٩ - ٥٠].
خاطب الاثنين، ووجه النداء إلى أحدهما وهو موسى، لأنه الأصل في النبوة، وهارون وزيره وتابعه. ويحتمل أن يحمله خبثه ودعارته على استدعاء كلام موسى دون كلام أخيه، لما عرف من فصاحة هارون والرتة في لسان موسى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين)، إلى آخره، فيه إشارة إلى التعريض، والسلام محمول على التحية والتعريف فيه للعهد، والأحسن ما قال الزجاج: والسلام ليس يعني به التحية، وإنما معناه أن من اتبع الهدى سلم من عذاب الله وسخطه، الدليل على أنه ليس بسلام أنه ليس ابتداء لقاء، وتحقيقه ما ذكر المصنف في قول عيسى عليه السلام: (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ) [مريم: ٣٣]: "اللام: للجنس، فإذا قال: جنسُ السلام عليَّ خاصةً فقد عرض بأن ضده عليكم، ونظيره قوله تعالى: (وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى)، يعني أن العذاب على من كذب وتولى، وكان المقام مقام مناكرة وعناد، فهو مظنة لنحو هذا من التعريض". وقلت: ولما دل قوله: (وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى) على التوبيخ لمكان التعريض، كان قوله: (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا) استئنافاً منطوياً على تعليل ذلك المفهوم المقصود في الإيراد، كأنه قيل: العذاب على من كذب وتولى؛ لأن الله تعالى أوحى إلينا ذلك، وفيه لمحة من كلام المصنف.