ويدل عليه قوله (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ)] الزخرف: ٥٢ [، (خَلْقَهُ) أول مفعولي (أَعطَى)، أي: أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به. أو ثانيهما، أى: أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به، كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع، وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان: كل واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة، غير ناب عنه. أو أعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة، حيث جعل الحصان والحجر «٢» زوجين، والبعير والناقة، والرجل والمرأة، فلم يزاوج منها شيئا غير جنسه وما هو على خلاف خلقه. وقرئ: (خلقه)، صفة للمضاف أو للمضاف إليه، أي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ويدل عليه قوله: (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ))، أي: يدل على أن فرعون كان عارفاً من فصاحة هارون والرتةِ في لسان موسى: هذا الكلام.
قوله: (أعطى خيفته)، الجوهري: الخليقة: الخلائق، يقالُ: هم خليقةُ الله، وهم خلق الله أيضاً، وهو في الأصل مصدر.
قوله: (أو ثانيهما، أي: أعطي كل شيء صورته)، فالضمير في (خَلَقَهُ) لـ (شيءٍ)، وعلى الأول لله تعالى. قال القاضي: إنما قدم المفعول الثاني على الأول لأنه المقصود بيانه.
وقلتُ: لأن مقصود موسى عليه السلام إيجاب العبودية على فرعون واستجلابُ الشكر على الوجه الثاني منه وأنه مغمورٌ في إنعام الله وعطائه، يؤيده قراءة من قرأ: "خلقَهُ" صفة، أي: كل شيءٍ خلقه الله لم يخله من عطائه وإنعامه، وتنزيلُ الجواب على الوجه الثاني يناسب قوله: (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار: ٧ - ٨].