مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ، لا يجوز على الله أن يخطئ شيئا أو ينساه. يقال: ضللت الشيء إذا أخطأته في مكانه فلم تهتد له، كقولك: ضللت الطريق والمنزل. وقرئ: (يُضِلُّ)، من أضله إذا ضيعه. وعن ابن عباس: لا يترك من كفر به حتى ينتقم منه، ولا يترك من وحده حتى يجازيه. ويجوز أن يكون فرعون قد نازعه في إحاطة الله بكل شيء وتبينه لكل معلوم، فتعنت وقال: ما تقول في سوالف القرون، وتمادى كثرتهم، وتباعد أطراف عددهم، كيف أحاط بهم وبأجزائهم وجواهرهم؟ فأجاب بأنّ كل كائن محبط به علمه، وهو مثبت عنده في كتاب، ولا يجوز عليه الخطأ والنسيان، كما يجوزان عليك أيها العبد الذليل والبشر الضئيل، أى: لا يضل كما تضل أنت، ولا ينسى كما تنسى يا مدعى الربوبية بالجهل والوقاحة (الَّذِي جَعَلَ) مرفوع صفة (لربي). أو خبر مبتدأ محذوف أو منصوب على المدح، وهذا من مظانه ومجازه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كما يجوزان عليك أيها العبدُ الذليل)، إشارةٌ إلى أن قوله: (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى) على سبيل التعريض، كما مر؛ لأنه زعم أن الربوبية مشتركةٌ ينه وبين الله لقوله: (أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى) [النازعات: ٢٤]، فإجراء الأوصاف الباقية على المدح أحرى وأولى، كأنه قال: ربي المعروفُ بالمالكية المشهور بالربوبية الذي لا يخفى على كل عالم وجاهل: خالقُ كل شيء في السماء والأرض وما بينهما من الخلائق والمرافق. ومن صفات كماله أنه جعل لكم الأرض مهاداً، وأنزل من السماء ماءً، ولو جُعل صفةً لـ (رَبِّي) أفاد تمييزاً وأن الرب مشتركٌ بينه وبين الله على زعمه، لقوله: (أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى) وفاتت الفوائد.