(مَهْداً) قراءة أهل الكوفة، أى: مهدها مهدا. أو يتمهدونها فهي لهم كالمهد وهو ما يمهد للصبي (وَسَلَكَ) من قوله تعالى (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ)] المدثر: ٤٢ [، (سَلَكْناهُ)] الشعراء: ٢٠٠ [، (نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ)] الحجر: ١٢ [أى حصل لكم فيها سبلا ووسطها بين الجبال والأودية والبراري (فَأَخْرَجْنا) انتقل فيه من لفظ الغيبة إلى لفظ المتكلم المطاع، لما ذكرت من الافتنان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ((مهداً) قراءةُ أهل الكوفة)، والباقون: (مِهَاداً).
قوله: (انتقل فيه من لفظ الغيبة إلى لفظ المتكلم المُطاع)، قال صاحب "الانتصاف": هذا ليس بالتفاتٍ؛ لأن الالتفات يكون في كلام مُتكلم واحد، وهاهنا حكى الله تعالى عن موسى عليه السلام قوله لفرعون: (عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ) إلى قوله: (وَلا يَنسَى)، وقوله: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ) إلى قوله: (فَأَخْرَجْنَا بِهِ)، إما أن يكون من كلام موسى، فيكون كلام بعض خواص الملك: أمرنا وفعلنا، يريدون الملك، وليس بالتفات، وإن كان الله تعالى ابتدأ وصف ذاته فليس التفاتاً، وهو انتقال من حاكية إلى إنشاء خطاب، وعلى هذا يوقف على (وَلا يَنسَى)، ويحتملُ أن موسى وصف الله تعالى بهذه الصفة على لفظ الغيبة، وقال: (فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً) فلما حكاه الله عنه أسند الضمير إلى ذاته؛ لأنه الحاكي هو المحكي عنه، فمرجعُ الضميرين واحدٌ.
وقلتُ: هذا الأخير له وجهٌ؛ لأنه إذا نُظر إلى أن الله تعالى حكى عنه وغير العبارة يكون التفاتاً، وإذا نُظر إلى أن الله تعالى حكى عنه وغير العبارة يكون التفاتاً، وإذا نُظر أن موسى عليه السلام سمع هذه الكلمات بعينها من الله تعالى فاقتبسه وأُدرج في كلامه، كان التفاتاً أيضاً، ونحوه في الإدراج قوله تعالى في الزخرف: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ مَهْداً) [الزخرف: ٩ - ١٠] إلى قوله: (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً