والإيذان بأنه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لأمره، وتذعن الأجناس المتفاوتة لمشيئة، لا يمتنع شيء على إرادته. ومثله قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ)] الأنعام: ٩٩ [، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها)] فاطر: ٢٧ [، (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ)] النمل: ٦٠ [، وفيه تخصيص أيضا بأنا نحن نقدر على مثل هذا، ولا يدخل تحت قدرة أحد (أَزْواجاً) أصنافا، سميت بذلك لأنها مزدوجة ومقترنة بعضها مع بعض (شَتَّى) صفة للأزواج، جمع شتيت، كمريض ومرضى. ويجوز أن يكون صفة للنبات، والنبات مصدر سمى به النابت كما سمى بالنبت، فاستوى فيه الواحد والجمع، يعنى أنها شتى مختلفة النفع والطعم واللون والرائحة والشكل، بعضها يصلح للناس وبعضها للبهائم. قالوا: من نعمته عز وعلا أن أرزاق العباد إنما تحصل بعمل الأنعام، وقد جعل الله علفها مما يفضل عن حاجتهم ولا يقدرون على أكله،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) [الزخرف: ١١]، ومعنى (لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) إلى آخره: لينسُبن خلقها إلى الذي وُصف بهذه الأوصاف وقيل في حقه تلك النعوت.
قوله: (والإيذان بأنه مُطاعٌ تنقاد الأشياء المختلفة لأمره)، يعني: في وضع ضمير الجمع موضع المفرد على سنن الملوك في هذه الآيات الدالة على سرعة تأتي المكونات على اختلافها لإرادته، فإن الملك لا يأبى من تحت تصرفه مع اختلاف أصنافهم لسرعة إجابته وامتثال أمره، وقد أدمج في الكلام معنى الاختصاص رداً لزعم الطبيعيين على منوال: إنا نفعلُ كذا أيتها العصابة، كما قال: بأنا نحن نقدرُ على مثل هذا، ولا يدخل تحت قدرة أحد، أي: الماء واحدٌ والأرض واحدةُ والمخرج مختلفٌ ألوانه، فلا يكون ذلك إلا بإيجاد قادرٍ مختارٍ لا يمتنع شيءٌ من إرادته ومشيئته، كقوله تعالى: (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ) [الرعد: ٤].


الصفحة التالية
Icon