كقولك: «أزف للحي رحيلهم» الأصل: أزف رحيل الحىّ، ثم أزف للحىّ الرحيل، ثم أزف للحىّ رحيلهم. ونحوه ما أورده سيبويه في «باب ما يثنى فيه المستقرّ توكيدا» عليك زيد حريص عليك. وفيك زيد راغب فيك. ومنه قولهم: لا أبا لك: لأنّ اللام مؤكدة لمعنى الإضافة. وهذا الوجه أغرب من الأوّل. والمراد اقتراب الساعة. (وإذا اقتربت الساعة فقد اقترب ما يكون فيها من الحساب والثواب) والعقاب وغير ذلك. ونحوه (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ) [الأنبياء: ٩٧]..
فإن قلت: كيف وصف بالاقتراب وقد عدّت دون هذا القول أكثر من خمسمائة عام؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لدلالة المفسرِ عليه. ولما كان الحسابُ لا يتعداهم جيء بضمير الناس ليعود إليهم فيحصل تأيدٌ آخرُ نحو: أزف للحي رحيلهم، فعلى هذا: فيك زيدٌ راغبٌ فيك. الأصلُ: زيدٌ راغبٌ في، ثم قدم "فيك" فصار معمولاً لمقدرٍ لإعادة "فيك"، وإليه الإشارةُ بقوله: "وهذا الوجه أغربُ". وقال صاحب "الفرائد": يمكن أن يكون التقدير: اقترب لمجازات الناس حسابهم، فيكون (لِلنَّاسِ) مفعولاً له، كقولك: جئتك للسمن، أي: لحصوله، وقيل: إذا جُعِل اللامُ صلةً كان المقترب له، أي: المدنو منه مذكوراً، وإذا جُعِل تأكيداً للإضافة لم يكن مذكوراص.
قوله: (أزف للحي رحيلُهم) يأزف أزفاً، أي: دنا.
قوله: (المستقر) وهو الظرفُ الذي يقع خبراً محتاجاً إليه، وسُمي مستقراً؛ لتعلقه بفعل الاستقرار، فهو مستقرٌّ فيه، فحذف "فيه" اختصاراً، والظرفُ اللغو: ما كان فضله، ولو حُذف لكان الكلام مستقيماً، الظرفُ في المثال لغوٌ، فسماه مستقراً مجازاً.
قوله: (وقد عدت دون هذا القول أكثر من خمس مئة عام) أي: عدت أزمنة أكثر من خمس مئة عام بعد هذا القول.


الصفحة التالية
Icon