لا يتفكرون في عاقبتهم، ولا يتفطنون لما ترجع إليه خاتمة أمرهم، مع اقتضاء عقولهم أنه لا بدّ من جزاء للمحسن والمسيء، وإذا قرعت لهم العصا ونبهوا عن سنة الغفلة وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر، أعرضوا وسدوا أسماعهم ونفروا.
(ما يَاتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَاتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) [الأنبياء: ٢ - ٣].
قرّر إعراضهم عن تنبيه المنبه وإيقاظ الموقظ: بأنّ الله يجدّد لهم الذكر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"هم"، ألا ترى كيف أوقع "غافلون عن حسابهم" خبر "أنّ" في قوله: "على معنى أنهم غافلون"؟ وقال أبو البقاء والقاضي: ويجوز أيضاً أن يكون الظرفُ حالاً من الضمير في (مُعْرِضُونَ).
قوله: (وإذا قُرعت لهم العصا). أصلُ المثل على ما قاله الميداني: "إن العصا قُرعت لذي الحلم" أولُ من قُرعت له عمرو بن مالك الكناني، يُضربُ لمن إذا نُبه انتبه. مضى بيانه في أول "البقرة".
قوله: (قُرر إعراضُهم) على ما لم يُسم فاعله، عطفٌ على "ما وصفهُم". ولو قرئ معروفاً كان ظاهراص، يعني: جيء بقوله: (مَا يَاتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) بغير عاطفٍ مؤكداً للجملة الأولى، مقرراً لها، لما فيه من معنى الإعراض والغفلة، مع تنبيه المنبه وقتاً فوقتاً.