وقتا فوقتاً، ويحدث لهم الآية بعد الآية والسورة بعد السورة، ليكرّر على أسماعهم التنبيه والموعظة لعلهم يتعظون، فما يزيدهم استماع الآي والسور وما فيها من فنون المواعظ والبصائر - التي هي أحق الحق وأجدّ الجدّ - إلا لعبا وتلهيا واستسخارا. و"الذكر": هو الطائفة النازلة من القرآن.
وقرأ ابن أبى عبلة "مُحْدَثٍ" بالرفع صفة على المحل.
قوله (وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) حالان مترادفتان أو متداخلتان. ومن قرأ "لاهِيَةً" بالرفع فالحال واحدة، لأن "لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ" خبر بعد خبر، لقوله (وَهُمْ) واللاهية: من لها عنه إذا ذهل وغفل، يعنى أنهم وإن فطنوا فهم في قلة جدوى فطنتهم كأنهم لم يفطنوا أصلا، وثبتوا على رأس غفلتهم وذهولهم عن التأمّل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (حالان مترادفتان)، وهي أن يُجعلا حالين من الضمير في (اسْتَمَعُوهُ)، أو متداخلتان بأن يُجعل (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) حالاً من الضمير في (اسْتَمَعُوهُ) و (لاهِيَةً) حالاً من الضمير في (يَلْعَبُونَ).
قوله: (كأنهم لم يفطنوا أصلاً)، يعني: أفاد قوله: (مَا يَاتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ) أنهم فطنوا كل ما تجدد لهم من الذكر آية فآية، وسورةٌ فسورة، فطنةً لا مزيد عليها، بدلالة "مِن" الاستغراقية وأداة احصر، وأفاد قوله: (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) أنهم ذاهلون غافلون عن ذلك، فنفى آخرُ الكلام ما أثبته أولاً على سبيل التوكيد؛ ليؤذن بأنهم لما لم ينتفعوا بذلك الاستماع والتفطن، حيث استهزؤوا بالذكر، كأنهم لم يفطنوا أصلاً، وثبتوا على رأس غفلتهم، ونحوه قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [البقرة: ١٠٢]، أكد إثبات العلم أولاً بالقسيمة، ثم نفاهُ نفياً كلياً لعدم جريهم على موجب العلم.