والتبصر بقلوبهم. فإن قلت: (النجوى) وهي اسم من التناجي لا تكون إلا خفية، فما معنى قوله (وَأَسَرُّوا)؟ قلت: معناه: وبالغوا في إخفائها. أو جعلوها بحيث لا يفطن أحد لتناجيهم ولا يعلم أنهم متناجون.
أبدل (الَّذِينَ ظَلَمُوا) من واو (وأسرّوا)، إشعارا بأنهم الموسومون بالظلم الفاحش فيما أسرّوا به. أو جاء على لغة من قال «أكلونى البراغيث» أو هو منصوب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (اسمٌ من التناجي). الجوهري: النجوُ: السر بين اثنين، يقال نجوتُه نجوى، أي: ساررته، والاسم: النجوى، وقال الفراء: قد يكون النجي والنجوى اسماً ومصدراً، قال تعالى: (وَإِذْ هُمْ نَجْوَى) [الإسراء: ٤٧] فجعلهم هم النجوى، وإنما النجوى فِعلُهم.
قوله: (بالغوا في إخفائها)، أي: أسروا قول التناجي، تلخيصه: وأسروا السر.
قوله: (أو جعلوها بحيث لا يفطن أحد)، معناه: وأسروا فعل التناجي، أي: جعلوها في الخلوة، ولا يبعد في الأول أن يعلم تناجيهم، لكن لا يفطن قطعاً ما أسروا به.
قوله: (إشعاراً بأنهم الموسومون بالظلم الفاحش)؛ لأن في الإبدال فائدة البيان والتوكيد كما سبق في قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ) [الفاتحة: ٧ - ٨] والذي خص هذا الموضع من الفائدة ما ذكره؛ لأنه أبدل المظهر من المضمر وخصه بذكر الظلم للإشعار بقُبح ما أسروا به وأنه الظلمُ الفاحش.
قوله: (أو جاء على لغة من قال: أكلوني البراغيث)، قيل: هي لغة أزدِ شنؤةَ، وفيه شذوذان، أحدهما: تعددُ الفاعل، وثانيهما: جعلُ ضمير اولي العلم لغيره. واعتذر للأولِ أبو عبيدة، وقال عن بعضهم: إن العرب قد يُظهرون عدد القوم في فعلهم إذا بدؤوا بالفعل. قال أبوعمرو الهذلي: أكلوني البراغيث، فجاء بلفظ الجمعِ في الفعل، وأظهر الفاعلين بعده.


الصفحة التالية
Icon