(هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَاتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) هذا الكلام كله في محل النصب بدلا من (النجوى)، أى: وأسروا هذا الحديث. ويجوز أن يتعلق ب"قالوا" مضمرا: اعتقدوا أنّ رسول الله ﷺ لا يكون إلا ملكا، وأن كل من ادّعى الرسالة من البشر وجاء بالمعجزة هو ساحر ومعجزته سحر، فلذلك قالوا على سبيل الإنكار: أفتحضرون السحر وأنتم تشاهدون وتعاينون أنه سحر.
فإن قلت: لم أسروا هذا الحديث وبالغوا في إخفائه؟ قلت: كان ذلك شبه التشاور فيما بينهم، والتحاور في طلب الطريق إلى هدم أمره، وعمل المنصوبة في التثبيط عنه. وعادة المتشاورين في خطب أن لا يشركوا أعداءهم في شوراهم، ويتجاهدوا في طىّ سرّهم عنهم ما أمكن وأستطيع. ومنه قول الناس «استعينوا على حوائجكم بالكتمان» ويرفع إلى رسول الله ﷺ ويجوز أن يسرّوا نجواهم بذلك ثم يقولوا لرسول الله ﷺ والمؤمنين: إن كان ما تدعونه حقا فأخبرونا بما أسررناه.
(قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الأنبياء: ٤].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
به؛ ليؤذن به أن استماعهم ذلك لم يكن استماعاً؛ لأنهم ما عملوا بموجبه، بل عكسوا حيث لعبوا، فهم على رأس غفلتهم.
ثالثها: أنهم ما اكتفوا في العناد على هذا المقدار حتى بالغوا في التناجي خُبثاً ودهاءً ليُظهروا للأتباع أن ذلك ليس للعناد، بل لأنه سحرٌ باطل، فهو الطريق إلى هدم أمره، وعمل المنصوبة في التثبيط عنه، وظهر بهذا أن الجواب الثاني للمتصور في النفس قبل الإبراز باللفظ عن قوله: "لم أسروا" وهو قوله: "ويجوز أن يُسروا نجواهم بذلك" ضعيفٌ.
قوله: (وعمل المنصوبة). الجوهري: النصيب: الشركُ المنصوبُ، ويقال: فلانٌ سوى منصوبةً، وهي في الأصل صفةٌ للشبكة أو الحبالة، فجرت مجرى الأسماء كالدابة.


الصفحة التالية
Icon