فإن قلت: هلا قيل: يعلم السر لقوله (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى)] الأنبياء: ٣ [؟ «١»؟ قلت: القول عام يشمل السرّ والجهر، فكان في العلم به العلم بالسرّ وزيادة، فكان آكد في بيان الاطلاع على نجواهم من أن يقول: يعلم السرّ، كما أنّ قوله: يعلم السرّ، آكد من أن يقول: يعلم سرهم. ثم بين ذلك بأنه السميع العليم لذاته فكيف تخفى عليه خافية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (القول عام). الراغب: القول يستعمل على وجه: أظهرها: أن يكون للمُركبِ من الحروف المبرز بالنطق مفرداً كان أو جملةً. الثاني: للمتصور في النفس قبل الإبراز باللفظ فيقال: في نفسي قولٌ لم أظهره، قال تعالى: (وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ) [المجادلة: ٨]، فجعل ما في اعتقادهم قولاً. الثالث: للاعتقاد، نحو: فلانٌ يقولُ بقول أبي حنيفة. الرابعُ: للدلالة على الشيء، قال الشاعر:
امتلأ الحوضُ وقال قطني
الخامس: للعناية الصادقة بالشيء نحو: فلانٌ يقول بكذا، والسادس: يستعمل في معنى الحد فيقال: قول الجوهر كذا، وقول العرض كذا أي: حدهما. السابع: للإلهام نحو: (قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) [الكهف: ٨٦]، فإن ذلك لم يكن بخطاب فيما رُوي، وقيل في قوله تعالى: (قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت: ١١]: إن ذلك [كان] بتسخير لا بخطاب. وكذا في قوله تعالى: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً) [الأنبياء: ٦٩].
قوله: (ثم بين ذلك بأنه السميع العليم) يحتملُ أن يراد أن الجملة حالٌ من فاعل (يَعْلَمُ)، والحالُ بيانٌ، أو مُذيلة، وفيها نوعٌ من التأكيد والبيان، لكن قوله: "بأنه السميع العليم لذاته" مذهبه.
وفي "شرح السنة": على العبد أن يعتقد أن الله تعالى عالمٌ له علمن وسميعٌ له سمع،