فإن قلت: فلم ترك هذا الآكد في سورة الفرقان في قوله (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)] الفرقان: ٦ [؟ قلت: ليس بواجب أن يجيء بالآكد في كل موضع، ولكن يجيء بالوكيد تارة وبالآكد أخرى، كما يجيء بالحسن في موضع وبالأحسن في غيره ليفتنّ الكلام افتنانا، وتجمع الغاية وما دونها، على أن أسلوب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الله تعالى: (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) [البقرة: ٢٥٥]، (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) [النساء: ١٧]، (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً) [النساء: ١٣٤]، (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) [طه: ٤٦].
قال في "الانتصاف": (السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) إثباتُ صفتين لله تعالى، والزمخشري يحرفهما عن مواضعهما، فيكونُ سميعاً بصيراً لذاته، والصفات مشتقاتٌ من المصادر لا تثبتُ إلا بمصادرها، فمن أنكر السمع والعلم فقد تسارع على إنكار السميع العليم، وتحقيقُ هذا يُعلمُ من الكلام، وإنما الزمخشري إذا ادعى أن الآية ظاهرةٌ له بينا خلافه، أو حرف شيئاً عن موضعه نبهنا عليه، وهذه الآية خاصة تعسف فيها، وخالف نصها.
قوله: (ليفتن الكلامُ). الجوهري: الفنُّ: واحدُ الفنون، وهي الأنواع، والأفانينُ: الأساليبُ، وهي أجناسُ الكلام وطرقه. وافتن الرجل في حديثه: إذا جاء بالأفانين.
قال صاحب "الفرائد": ما ذكر يوجب أن يكون البعضُ في الدرجة العليا من البلاغة والفصاح، والبعض نازلا ًعنها، ومنحطاً في الدرجة، هذا لا يجوز. والافتنان إنما يحسنُ إذا كان غير مفضٍ إلى نزول البعض؛ لأنه يُنبئ عن نقصان البعض، بل الافتنان المستحسن: أن يكون الكل في الدرجة العليا ويبدل بعض اللفظ بالبعض باعتبار اقتضاء الموارد والموضع، لا بالنزول من الأعلى إلى الأسفل؛ لأنه يكون اختلافاً وتفاوتاً في البلاغة والفصاحة.
والجواب عن قوله: "بل الافتنان المستحسنُ أن يكون الكل في الدرجة العُليا" أنْ