تلك الآية خلاف أسلوب هذه، من قبل أنه قدم هاهنا أنهم أسروا النجوى، فكأنه أراد أن يقول: إن ربى يعلم ما أسروه، فوضع القول موضع ذلك للمبالغة، وثم قصد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقال: إن أردت به أن التراكيب بأسرها ينبغي أن تكون مفرغةً في قالب المبالغة، فهو غير مسلم، فكم من تركيب في كلام الله المجيد تجده ابتدائياً ليس فيه رائحة المبالغة، وترى تراكيب فيه بلغت في المبالغة الدرجة القُصيا، وإن أردت أن التركيب في استعماله في مقامه ينبغي أن يكون في الدرجة العليا، فهذا لا ننكره؛ لأن مقامات المقاولة ومقتضيات الأحوال تتغيرُ وبحسبها يتغير اللامُ، فمن مقام يقتضي الخلو عن التأكيد، فإثباته خروجٌ عن مقتضى البلاغة، ومن مقام يستدعي توكيداً ما، فلا يؤتي بالآكد؛ لأن البلاغة هي: إصابة المحز، وتطبيق المفضل، ومراعاةُ وجه النظم، ومن ثم لم يقع التحدي بأقل من سورة.
قوله: (من قبل أنه قدم هاهنا أنهم أسروا النجوى) إلى قوله: (فوضع القول موضع ذلك للمبالغة)، قال صاحب "التقريب": فيه نظرٌ؛ لأن تلخيص كلامه يؤول إلى أن اللام في القول للعهد، وقد تقدم هاهنا معهودٌ دون ثم؛ إذ لو أراد الجنس لم يؤثر تقدم شيء عليه، لكنه حينئذٍ يفوت كونه أوكد، إذ القول المعهود والسرُّ واحد.
وقلت: مغزى كلامه: أن اللام إن جعلته للعهد لم يحصل التأكيدُ. قُلنا: نختارُ الأول. فلا نُسلمُ عدم تأثيره؛ لأن المراد من الثاني العامُّ الذي سيق لقصد الخاص، فيدخل فيه الأول دخولاً أولياً؛ ولذلك كان آكد، فعلى هذا مبنى لامه حيثُ قال: "على أن أسلوب تلك الآية خلافُ أسلوب هذه"، يعني: إيرادُ هذا القول الذي هاهنا مسبوقق بإيراد إخفائهم سرهم