وصف ذاته بأن أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض، فهو كقوله: (علام الغيوب) (عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ)] سبأ: ٣ [. وقرئ (قالَ رَبِّي) حكاية لقول رسول الله ﷺ لهم.
(بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَاتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) [الأنبياء: ٥].
أضربوا عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام، ثم إلى أنه كلام مفترى من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونجواهم أقصى الغاية لينبههم به على أن إخفاءهم ذلك لا يجديهم شيئاً؛ لأنه تعالى يعلمُ القول، الذي هو الجنسُ الشائعُ للجهر، والهمس والسر وأخفى منه، فيدخل سرهم في هذا العام بالطريق البرهاني كما سبق غير مرةٍ.
وأما سياقُ قوله (أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ) [الفرقان: ٦] فعلى ابتداء إثبات صفة العلم من كلام سابق؛ لأن المراد من قوله: (يَعْلَمُ السِّرَّ) ما أسروه في قولهم: (إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً (٤) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الفرقان: ٤ - ٥]؛ لأنهم أيقنوا أن الأمر على خلافه، ولكن قصدوا بذلك إيقاع الشبه في قلوب الناس؛ ولهذا قال: ومن جملته ما تسرونه من الكيد لرسوله مع علمكم أنما تقولونه باطل. فالمراد من السر ما يتضمنه قولهم: (أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) فقيل: لا يعلمُ ذلك إلا عالمُ الغيب والشهادة، كقوله: (عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) [المائدة: ١٠٩] (عَالِمَ الْغَيْبِ) [الجن: ٢٦] (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ) [سبأ: ٣]، فإذن القصدُ في الثاني إجراءُ الوصف على الله عز وجل. وفي الأول تقريرُ ما مر من المعنى السابق والمبالغة فيه.
قوله: (وقرئ: (قَالَ رَبِّي)): أبو عمرو، وحفص، والكسائي.


الصفحة التالية
Icon