والمبطل متحير رجاع غير ثابت على قول واحد.
ويجوز أن يكون تنزيلا من الله تعالى لأقوالهم في درج الفساد: وأن قولهم الثاني أفسد من الأول، والثالث أفسد من الثاني، وكذلك الرابع من الثالث.
صحة التشبيه في قوله (كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) من حيث أنه في معنى: كما أتى الأوّلون بالآيات، لأنّ إرسال الرسل متضمن للإتيان بالآيات ألا ترى أنه لا فرق بين أن تقول: أرسل محمد صلى الله عليه وسلم، وبين قولك: أتى محمد بالمعجزة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذي أتى به مُفترىً، بل يزيدون ويدعون أنه كذاب؛ فإن الشاعر في القرآن عبارةٌ عن الكاذب بالطبع.
قوله: (لا فرق بين أن تقول: أرسل محمدٌ صلى الله عليه وسلمن وبين قولك: أتى محمدٌ بالمعجزة)، قيل: فيه نظرٌ؛ لأن قوله: أرسل محمدٌ، إثباتٌ للرسالة؛ لأنها ثبتت بإرسال الملك، وقوله: أتى بالمعجزة، إظهارٌ للرسالة، وما تثبت به النبوة غير ما تظهر به الرسالة.
قلتُ: ليس مراده من قوله: "لا فرق... " أن معنى العبارتين سواءٌ، بل مراده أن مؤدى العبارتين سواءٌ، فإن قولك: أُرسل محمدٌ صلواتُ الله عليه معناه: أنه ادعى الرسالة، وأتى بالمعجزة، فثبتت رسالته، وقولك: أتى محمدٌ بالمعجزة، مؤداه: ادعى الرسالة وأتى بالمعجزة، فيكون رسولاً. والأول كنايةٌ، والثاني تصريحٌ، ومؤداهما واحدٌ، ألا ترى إلى تفسيره لقوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: ٥]؟ قولك: يد فلانٍ مبسوطةٌ، بمعنى أنه جواد، لا فرق بين العبارتين إلا فيما قلتُ، يعني: كون أحدهما كنايةً، والآخر صريحاً، والكناية أشرح وأبسط.
فإن قلت: ما فائدة العدول؟ قلتُ: لو قيل: كما أتى الأولون لكان من القصد بمعزل؛