حين لم ينفعهم الندم. وظاهر الاية على الكثرة. ولعل ابن عباس ذكر «حضور» بأنها إحدى القرى التي أرادها الله بهذه الآية. فلما علموا شدّة عذابنا وبطشتنا علم حسّ ومشاهدة، لم يشكوا فيها، ركضوا من ديارهم. والركض: ضرب الدابة بالرجل. ومنه قوله تعالى (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) فيجوز أن يركبوا دوابهم يركضونها هاربين منهزمين من قريتهم لما أدركتهم مقدمة العذاب. ويجوز أن يشبهوا في سرعة عدوهم على أرجلهم بالراكبين الراكضين لدوابهم، فقيل لهم. (لا تَرْكُضُوا) والقول محذوف.
فإن قلت: من القائل؟ قلت يحتمل أن يكون بعض الملائكة أو من ثم من المؤمنين أو يجعلوا خلفاء بأن يقال لهم ذلك وإن لم يقل. أو يقوله رب العزة ويسمعه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يا أهل ثاراته، ويا أيها الطالبون بدمه، فحُذف المضافُ، وأقيم المضافُ إليه مقامه، فيكون قد نادى طالبي الثأر ليعينوه على استيفائه وأخذه، وعلى قول الجوهري: نداءُ القتلة لتعريف الجرم والتقريع وتفظيع الأمر حتى يجتمع لهم عند أخذ الثأر بين القتل وبين تعريف الجرم وقرع أسماعهم به؛ ليصدع به قلوبهم، ويكون أدعى في الإنكاء فيهم، والتشفي منهم.
وإلى تعريف الجرم الإشارة بقوله: "لما نادى منادٍ من السماء ندموا واعترفوا بالخطأ".
قوله: (وظاهر الآية على الكثرة)، يعني: يقتضي قوله تعالى: (وَكَمْ قَصَمْنَا) أن يجري على العموم، وعلى كثير من القرى.
قوله: (ويجوز أن يشبهوا)، فعلى الأول الركضُ مجازٌ في العدو، ومستعملٌ استعمال المرسن في أنف الإنسان، وعلى الثاني حقيقةٌ، وعلى الثالث استعارة.
قوله: (أو يُجعلون خلقاء بأن يقال لهم ذلك)، يعني: أنهم بالغوا في الركض والفرار من العذاب بعد ذلك الإتراف والتنعم بحيثُ من رآهم قال هذا الكلام بلسان الحال.
الراغب: الركضُ: الضربُ بالرجل، فمتى نُسب إلى الراكب فهو إعداءُ مركوبٍ،