(وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) [الأنبياء: ١٦ - ١٧].
أى: وما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من أصناف الخلائق مشحونة بضروب البدائع والعجائب، كما تسوّى الجبابرة سقوفهم وفرشهم وسائر زخارفهم، للهو واللعب، وإنما سويناها للفوائد الدينية والحكم الربانية، لتكون مطارح افتكار واعتبار واستدلال ونظر لعبادنا، مع ما يتعلق لهم بها من المنافع التي لا تعدّ والمرافق التي لا تحصى. ثم بين أنّ السبب في ترك اتخاذ اللهو واللعب وانتفائه عن أفعالى: هو أن الحكمة صارفة عنه، وإلا فأنا قادر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في المتن عطفاً على الحصيد، لا على المماثلة كما ظنَّ؛ لأن قوله: (حَصِيداً خَامِدِينَ) كلاهما مشبهٌ بهما، والمشبه (هم) في قوله: (جَعَلْنَاهُمْ).
قوله: (ونظر لعبادنا)، قال القاضي: (خَلَقْنَاهُمَا) تسبيباً لما ينتظمُ به أمورُ العباد في المعاش والمعاد، فينبغي أن يتسلقوا إلى تحصيل الكمال، ولا يغتروا بزخارفها، فإنها سريعةُ الزوال.
قوله: (هو أن الحكمة صارفةٌ [عنه] وإلا فأنا قادرٌ)، عن بعضهم: هذا بناء على أن الله تعالى عندهم قادرٌ على السفه والظلم، وإن كان لا يفعله. وعند أهل الحق: أن الله تعالى لا يوصف بالقدرة على الظلم والسفه، لأن القدرة مصححةٌ للإمكان، والمحالُ لا يدخلُ تحت الإمكان، وقيل: إنه لما قال: (لَوْ أَرَدْنَا) إلى آخره عُلم أن المانع عدمُ الإرادة، فينبغي أن يكون مقدوراً؛ لأنه لا يقال فيما لا يكون مقدوراً: لو أردتُ فعلته، وقيل: هذا منظورٌ فيه؛ لأن تفسير اللهو بالولد أو بالمراة، يأباه؛ لأنه لا يقال: إن اتخاذ الولد أو المرأة لو أراده لفعله؛ لأنه من قبل المستحيل.
وقلتُ: لا يخفى سقوط هذا النظر على من تأمل في كلام الزجاج كما مر، ولا ارتياب بين