يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور، والإنشار من جملة المقدورات. وفيه باب من التهكم بهم والتوبيخ والتجهيل، وإشعار بأنّ ما استبعدوه من الله لا يصح استبعاده، لأنّ الإلهية لما صحت صحّ معها الاقتدار على الإبداء والإعادة. ونحو قوله (مِنَ الْأَرْضِ) قولك: فلان من مكة أو من المدينة، تريد: مكياً أو مدنىياً. ومعنى نسبتها إلى الأرض: الإيذان بأنها الأصنام التي تعبد في الأرض: لأنّ الآلهة على ضربين: أرضية وسماوية. ومن ذلك حديث الأمة التي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أين ربك»؟ فأشارت إلى السماء، فقال "إنها مؤمنة" لأنه فهم منها أنّ مرادها نفي الآلهة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن يُطلق عليه ما يتم به أمر الإلهية، وهو إثابة مطيعها وعقاب عاصيها؟ لأن مصحح المعبودية الحشرُ والنشرُ.
يدل على التنزيل قوله تعالى بعد ذلك: (أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ) يعني: اترك ذلك، ألهم آلهةُ يقدرون على إثباتها بدليل من السمع والعقل، فـ"هم"- في قوله تعالى: (هُمْ يُنشِرُونَ) -: للدلالة على قوة أمرهم فيما أُسند إليهم، لا على الاختصاص، لما قُلنا: أن لابد للمعبود من الإثابة العقاب. قال محيي السنة: ولا يستحق الإلهية إلا من يقدر على الإحياء والإيجاد من العدم والإماتة، والإنعام بأبلغ وجوه النعم.
قوله: (وفيه بابٌ من التهكم بهم، والتوبيخ والتجهيل)، يعني: أنهم إذا كانوا غير قادرين على أن يحييوا ويُميتوا ويضروا وينفعوا فبأي عقلٍ يجوزُ أن يتخذوا آلهةً؟
قوله: (ومن ذلك حديثُ الأمة)، وهو ما روى معاويةُ بن الحكم، قال: أتيتُ رسول الله ﷺ فقلت: ن جاريةً لي كانت ترعى غنماً لي، فجئتها وقد فُقدت شاةٌ من الغنم، فسألتها عنها فقالت: أكلها الذئبُ، فأسفتُ عليها، وكنتُ من بني آدم فلطمتُ وجهها وعليَّ رقبةٌ، فأعتقها؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين الله؟ "، فقالت: في السماء. فقال: "من أنا؟ "، فقالت: أنت رسول الله صلى الله لعيه وسلم، فقال: "أعتقها". هذا لفظُ مالك، وقد أخرجهُ مسلمٌ