بأنهم عباد والعبودية تنافى الولادة، إلا أنهم (مُكْرَمُونَ) مقرّبون عندي مفضلون على سائر العباد، لما هم عليه من أحوال وصفات ليست لغيرهم، فذلك هو الذي غرّ منهم من زعم أنهم أولادى، تعاليت عن ذلك علوا كبيرا. وقرئ "مكرّمون". و"لا يَسْبِقُونَهُ" بالضم، من: سابقته فسبقته أسبقه. والمعنى: أنهم يتبعون قوله ولا يقولون شيئا حتى يقوله، فلا يسبق قولهم قوله. والمراد: بقولهم، فأنيب اللام مناب الإضافة، أى لا يتقدّمون قوله بقولهم، كما تقول: "سبقت بفرسي فرسه"، وكما أنّ قولهم تابع لقوله، فعملهم أيضا كذلك مبنى على أمره: لا يعملون عملا ما لم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (مَن زعَمَ): مفعولُ "غَرَّ"، و"منهم": بيانُ "مَن"، أو: للتبعيض، وهو مفعولُ "غَرَّ"، و"مَن زعَمَ": بدلٌ منه.
قوله: (مُفضلون على سائر العباد)، قال في "الانتصاف": جعل الزمخشري القرآن تبعاً لرأيه، وليس غرضُنا إلا بيان ذلك خاصة، فإن لفظ (مُكْرَمُونَ) لا يفيدُ إلا إكراماً مطلقاً. أما على كونه مفضلين على سائر العباد، أو على بعضهم فلا.
قوله: (أي: لا يتقدمون قوله بقولهم)، قيل: جعل "تقدم" متعدياً إلى واحدٍ وعداه بالباء إلى اثنين، ولم يوجد ذلك في اللغة، لكن يُجعلُ تركيبه بمنزلة نقله. قلتُ: لعل هذا السائل ما نظر إلى قوله في الحجرات: "قدمَه"، وأقدمه: منقولان بتثقيل الحشو والهمزة، مِن: قدمه: إذا تقدمه في قوله تعالى: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ) [هود: ٩٨]، ونظيرهُ معنى ونقلاً: سلفه وأسلفه... "، وأنشد الجوهريُّ للبيد:
فمضى وقدمها... البيت، أي: تقدمها.
قوله: (كما تقولُ: سبقتُ بفرسي فرسه)، قال القاضي: أصلُه: لا يسبقُ قولهم قوله، فنسب السبق إليه تعالى وإليهم، وجعل القول محله وقرينته تنبيهاً على استهجان السبق، وتعريضاً بالقائلين على الله ما لم يقُلهُ، ونحوه قال المصنفُ في قوله تعالى: (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ