الأرضون لا فرج بينها ففتقها الله وفرّج بينها. وقيل: ففتقناهما بالمطر والنبات بعد ما كانت مصمتة، وإنما قيل: (كَانتَاَ) دون "كنّ"، لأنّ المراد جماعة السماوات وجماعة الأرض، ونحوه قولهم: "لقاحان سوداوان"، أى: جماعتان، فعل في المضمر نحو ما فعل في المظهر. فإن قلت: متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، وقال القاضي: فعلى هذا المراد بالسماوات: سماءُ الدنيا، وجمعها باعتبار الآفاق، أو: السماوات بأسرها على أن لها مدخلاً ما في الأمطار.
قوله: (مُصمتةً): الأساس: شيءٌ مصمتٌ: لا جوف له، وقُفلٌ مصمتٌ: قد أُبهم إغلاقه.
قوله: (لقاحان سوداوان)، الجوهري: اللقاح بالكسر: الإبل بأعيانها، الواحدة لقوح، وهي الحلوب، وقولهم: لقاحان سوداوان كما قالوا: قطيعان؛ لأنهم يقولون: لقاحٌ واحدةٌ، كما يقولون: قطيع واحدٌ، وإبلٌ واحد.
قوله: (فُعِلَ في المضمر)، أي: في (كَانَتَا)، حيثُ جعل ضمير "السماوات"، وضمير "الأرض"، كل واحدٍ منهما بمنزلة جماعة، كما في المظهر، "أي": "لقاحان".
قوله: (متى رأوهما رتقاً حتى جاء تقريرهم بذلك)، أي: الهمزة في (أَوَلَمْ يَرَ) للتقرير، وتحريرُ السؤال والجواب ما ذكره الإمام، قال: لقائل أن يقول: إن المراد بالرؤية إما النظر وإما العلمُ، والأولُ مشكل؛ لأن القوم ما رأوهما قطُّ، لقوله تعالى: (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) [الكهف: ٥١]، والثاني كذلك؛ لأن الجسام قابلةٌ للفتق والرتق في أنفسها، فالحكم عليها بالرتق أولاً، وبالفتق ثانياً، لا سبيل إليه إلا بالسمع، والمناظرةُ مع المنكرين للرسالة؟
والجوابُ: أن المراد من الرؤية: العلمُ، ودفعُ السؤال من وجهين، أحدهما: إنا نثبتُ نبوةَ محمدٍ صلواتُ الله وسلامه عليهن ثم نستدل بقوله، ثم نجعله دليلاً على حصوله.