ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وثانيهما: أن يُحمل الفتقُ والرتقُ على إمكانهما، والعقلُ يدل عليه، لأن الأجسام يصحُّ عليها الاجتماعُ والافتراق، فاختصاصها بالاجتماع دون الافتراق أو بالعكس يستدعي مخصصاً.
ويجوزُ أن يقال: إن أهل الكتاب كانوا عالمين بذلك، وكان بين عبدة الأوثان وبينهم مخالطة، فاحتج الله تعالى عليهم بهذه الحجة بناء على أنهم يقبلون قولهم.
وقال صاحب "الفرائد": أما الجواب الأول لصاحب "الكشاف" فمنظورٌ فيه؛ لأنهم كُفار، فكيف يكون لهم اعتقادٌ بما في القرآن لكونه في القرآن؟ فإن قيل: لما كان القرآن معجزةً وجب أن يؤمنوا به ثم يروا ذل. قُلنا المراد من هذا إنكارُ إشراكهم، وأنهم لم يستدلوا به على أنه واحدٌ لا شريك له؛ لأنهم مقرون بأن السماوات والأرض وما يتعلق بهما لم يكن إلا مخلوقاً لله تعالى، وأنه لا يمكن مثلُ ذلك مما جعلوه له شركاء. فكيف يستقيمُ أني قال لهم: لِمَ لمْ تعلموا أن النبي ﷺ حقٌّ بما أتى به من الكتاب؛ لتروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما، أي: لتعلموا، لأنكم وجدتموه في الكتاب، ثم تعلموا أنه واحدٌ لا شريك له، ولا يتوقفُ العلم بالتوحيد على العلم بالنبي صلى الله عليه ولم، وكما يدل الرتق يدل الفتق مع أن العلم بالفتق ضروريٌّ، وبالرتق استدلالي.
والاعتراضُ على الثاني أن يقال: كما أنه لابد للتباين من مخصص، لابد للتلاصق من مخصص؛ لأنه يمكن أن يكون متلاصقين، كما يمكن أن يكونا متباينين، ووجوب المخصص باعتبار الجواز، فكان لا الطرفين مفتقراً إلى المخصص فقوله: "فلابد للتباين دون التلاصق من مخصص" مع أنه موهم بتخصيص المخصص بالتباين في جواب السائل: "متى رأوهما رُتِقا؟ " منظورٌ فيه. وقلتُ: إذا حُمل على فتق السماء بالمطر، والأرض بالنبات، فالمعنى ظاهرٌ. وإذا حُمل أن السماوات كانت طبقةً واحدة ففتقها الله تعالى وجعلها سبعاً، وكذا الأرض،