عنها ولم يذهب به وهمه إلى تدبرها، والاعتبار بها، والاستدلال على عظمة شأن من أوجدها عن عدم، ودبرها ونصبها هذه النصبة، وأودعها ما أودعها مما لا يعرف كنهه إلا هو عزت قدرته ولطف علمه.
وقرئ "عن آيتها"، على التوحيد، اكتفاء بالواحدة في الدلالة على الجنس أى: هم متفطنون لما يرد عليهم من السماء من المنافع الدنيوية، كالاستضاءة بقمريها، والاهتداء بكواكبها، وحياة الأرض والحيوان بأمطارها، وهم عن كونها آية بينة على الخالق (مُعْرِضُونَ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (هذه النصبة)، "النصبةُ": مصدرٌ بمعنى النوع، كالركبة والجلسة، أي: نوعٌ منه عجيبٌ.
قوله: (وقرئ: "عن آيتها" على التوحيد اكتفاءً بالواحدة في الدلالة على الجنس)، يعني: المرادُ بالآية ما يدل على وجود الصانع القادر العليم الحكيم، وذلك كما يحصلُ من مجموع ما وضع في السماء من الشمس والقمر والنجوم ومسايرها وغير ذلك، قد يحصل من واحدةٍ منها. والمرادُ بالإعراض: إنكارُ كونها دالةً على المطلوب، يعني: أنهم متفطنونَ لتلك التفاصيل، ويدركون أوضاعها وينتفعون منها بالمنافع الدنيوية، لكنهم معطلةٌ ينكرون المنفعة العظمى، وهي دلالتها على وجود مُنشئها، وأنه فاعلٌ مختار، ومعبودٌ مستحقٌّ أن يُعبد، فيدخل فيه المنجمون والطبيعيون والمعاندون، وهؤلاء أسوأ حالاً من الأولين، وأما المعنى بالآيات على قراءة الجمع فهو ما وضع فيها من الدلائل والعبر المتكاثرة. والمرادُ بالإعراض: الذهول، وعدم إجالة الفكر، فهم كالأنعام ساهون غافلون، كقوله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) [يوسف: ١٠٥]، أي: لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون، ومن ثم قال: "وأيُّ جهلٍ أعظمُ من جهلِ من لم يذهب وهمه إلى مدبرها والاعتبار بها".