(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء: ٣٣].
(كُلٌّ) التنوين فيه عوض من المضاف إليه، أى: كلهم فِي (فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) والضمير للشمس والقمر، والمراد بهما جنس الطوالع كل يوم وليلة، جعلوها متكاثرة لتكاثر مطالعها وهو السبب في جمعهما بالشموس والأقمار، وإلا فالشمس واحدة والقمر واحد، وإنما جعل الضمير واو العقلاء للوصف بفعلهم وهو السباحة.
فإن قلت: الجملة ما محلها؟ قلت: محلها النصب على الحال من الشمس والقمر. فإن قلت: كيف استبدّ بهما دون الليل والنهار بنصب الحال عنهما؟ قلت: كما تقول:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (جنسُ الطوالع كل يوم)، ["كل يوم"] متعلقٌ بـ"الطوالع".
قوله: (وهو السبب في جمعهما، بالشموس والأقمار)، قال صاحب "الفرائد": يمكن أن يقال: لما ذكر الشمس والقمر جعل الضمير لكل ما يسبح وهو الكواكب السيارة. وقوله: "وهو السبب في جمعهما" منظورٌ فيه؛ لأن الجمع - باعتبار كل واحد منهما-: اسمُ جنس، وفي صيرورة اسم الجنس جمعاً لا يفتقرُ إلى وجود الجمع، وهذا ظاهرٌ.
قلتُ: في كلامه غموضٌ وإن قال: "هذا ظاهرٌ"، لعل مُراده أن الجمع في الآية ليس كالجمع في المثال؛ لأن الجمع في المثال باعتبار استقلال كل واحدٍ من الشمس والقمر في إرادة الجمعية منه؛ لطلوعه كل يوم وليلةٍ من مشرق، ومنه قوله تعالى: (بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) [المعارج: ٤٠]، وهذا لا يقتضي الجمعية في (يُسَبِّحُونَ) باعتبار أن كل واحدٍ من الشمس والقمر اسمُ جنس، ولذلك غير صاحبُ "التقريب" العبارة حيثُ قال: الضمير للشمس والقمر، والمراد جنس الطوالع، أوالكثرةُ باعتبار كثرة مطالعها؛ ولذلك جُمعا بالشموسِ والأقمار. والوجه الأول من باب التغليبن غُلبَ القمرانِ على سائر السيارة لشرفهما، والثاني من أسلوب المثال المذكور في الكتاب، وأما قولُ المصنفِ: "المرادُ بهما جنسُ الطوالع كل يوم وليلة"، فهو أن ذكرهما لإرادة مطالعهما كل يوم وليلة، يدل عليه قوله: جعلوه متكاثرة لتكاثر مطالعها.


الصفحة التالية
Icon