"رأيت زيدا وهندا متبرجة" ونحو ذلك، إذا جئت بصفة يختص بها بعض ما تعلق به العامل. ومنه قوله تعالى في هذه السورة (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً)] الأنبياء: ٧٢ [أو لا محل لها لاستئنافها. فإن قلت: لكل واحد من القمرين فلك على حدة، فكيف قيل: جميعهم يسبحون في فلك؟ قلت: هذا كقولهم «كساهم الأمير حلة وقلدهم سيفا» أى كل واحد منهم، أو كساهم وقلدهم هذين الجنسين، فاكتفى بما يدل على الجنس اختصارا، ولأنّ الغرض الدلالة على الجنس.
(وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: ٣٤ - ٣٥].
كانوا يقدّرون أنه سيموت فيشمتون بموته، فنفى الله تعالى عنه الشماتة بهذا، أي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (هذا كقولهم: كساهُم الأمير حُلةً)، قال صاحب "الفرائد": قولنا: كلهم في دار، مثلاً، يحتملُ وجهين: أن يكونوا مجتمعين في دار، وأن يكون كل واحدٍ منهم في دار على حدة، فلابد هاهنا من قرينة، والأول أسبق إلى الفهم، وهو أنه كونه حقيقةً، ولما كان كل واحدٍ منهما في فلك على حدة ظاهراً عُلم أن المراد هو الثاني.
قوله: (أو كساهم وقلدهم)، قال بعضهم: فالمجاز في الأول في "هم" من كساهم، وفي الثاني في "حُلةً"، كأنه أطلق فرداً وأراد به الجنس، وفي الثاني أراد به الجنس كما في قولهم: تمرةٌ خيرٌ من جرادةٍ.
قوله: (كانوا يقدرون أنه سيموتُ فيشتمون بموته)، إشارةٌ إلى الرجوع إلى ما سيق له الكلامُ في السورة من حديث النبوة، ليتخلص به إلى تقرير مشرع آخر، وذلك أنه تعالى لما أفحم القائلين باتخاذ الولد، وبكتهم بالدليل الإلزامي كما مر، ذكر ما يدل على إفحامهم وهو قوله: (أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ)؛ لأن الخصم إذا لم يبق له متشبثٌ في الحجة تمنى هلاك خصمه، قال القاضي: الفاء في (أَفَإِيْنْ مِتَّ) لتعليق الشرط بما قبله، والهمزةُ لإنكاره بعد ما تقرر.