قضى الله أن لا يخلد في الدنيا بشرا، فلا أنت ولا هم إلا عرضة للموت. فإذا كان الأمر كذلك فإن مت أنت أيبقى هؤلاء؟ وفي معناه قول القائل:
فقل للشّامتين بنا أفيقوا... سيلقى الشّامتون كما لقينا
أى نختبركم بما يجب فيه الصبر من البلايا، وبما يجب فيه الشكر من النعم، وإلينا مرجعكم فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر أو الشكر، وإنما سمى ذلك ابتلاء وهو عالم بما سيكون من أعمال العاملين قبل وجودهم، لأنه في صورة الاختبار. و (فِتْنَةً) مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه.
(وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) [الأنبياء: ٣٦].
الذكر يكون بخير وبخلافه، فإذا دلت الحال على أحدهما أطلق ولم يقيد، كقولك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إلا عرضةٌ للموت)، الجوهري: جعلتُ فلاناً عرضةً لكذا، أي: نصبته له.
قوله: (فقل للشامتين)، قبله:
إذا ما الدهر جر على أناس... كلاكله أناخ بآخرينا
فقُل للشامتين بنا: أفيقوا... سلقى الشامتون كما لقينا
الكلاكلُ: جمعُ كلكلة، وهي الصدرُ، يقول: إذا الدهرُ ألقى على أناس كلاكلُه، أي: عصرهم فأهلكهم، أناخ بعدهم على آخرين فيفنيهم، فقُل للشامتين أن ينتهوا ولايشمتوا فسيلقون من حوادث الزمان أكثر ما لقينا؛ لأن الإناخة أصعبُ من جر الكلاكل.
قوله: (أطلقَ ولم يُقيدْ)، وفيه لطيفةٌ، يعني: أن "الذكْرَ" من الألفاظ المطلقةِ كالمشترك يحتاجُ في تقييده بمتعينٍ إلى قرينة، فإذا حصلت القرينةُ ينبغي أن لا يقيدَ، أي: لا يُذكر معهُ