للرجل: "سمعت فلانا يذكرك"، فإن كان الذاكر صديقا فهو ثناء، وإن كان عدوّا فذمّ.
ومنه قوله تعالى: (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) [الأنبايء: ٦٠] وقوله: (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) والمعنى أنهم عاكفون على ذكر آلهتهم بهممهم وما يجب أن لا تذكر به، من كونهم شفعاء وشهداء. ويسوؤهم أن يذكرها ذاكر بخلاف ذلك. وأما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخيرُ أو الشر؛ لكون القرينة تكفي في التقييد. فقولهم: (أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) متضمنٌ لتحقير شأن الآلهة، فالذكرُ متعينٌ للذم، وقوله: (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ) إنكارٌ عليهمُ الإعراض عمن هو موصوفٌ بصفة العظمة، وأن جلائل النعم وعظائم الأفضال ليس إلا منه، فالذكرُ لا يكونُ إلا للمدح، وتخصيصُ ذكرِ "الرحمنِ" كالتتميم لقوله: (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ)؛ لأنه حالٌ مقررةٌ لجهة الإشكال، وإليه الإشارةُ بقوله: "أنهم عاكفون... بهممهم" إلى آخره، إذ المعنى: العجب أنهم بمجامع هممهم يذكرون بالتعظيم ما يجب أن لا يُذكر إلا بالمذمة، الحالُ أنهم معرضون كافرون عن ذكر ما يجب أن يذكر بكل الفضائل، لكونه رماناً له الرحمة الواسعة في الدنيا والآخرة. وفي تكرير "هم" وتقديم الجار والمجرور على عامله: شأنٌ في الإنكار، وتوبيخٌ عظيمٌ يقتضي أكثر مما قال: "لا يُصدقون به أصلاً".
قوله: (ويسوؤهم أن يذكرها ذاكرٌ بخلاف ذلك)، الانتصاف: وإنما لم يقولوا: أهذا الذي يذكرُ آلهتكم بكل سُوء، استفظاعاً منهم أن يحكوا ما قال من رميها بأنها لا تسمعُ ولا تُبصر ولا تنفعُ ولا تضرُّ، حاشوها من نقل ذمه فرموا إليه بالإشارة، كما يتحاشى المؤمنُ من حكاية كلمةِ الكفر فيومئ إليها، فسبحان من أضلهم فتأدبوا مع الأوثان، وأساؤوا الأدب مع الرحمن! وفي قول المصنف: "أن لا يذكر به من كونهم شُفعاء وشُهداء" إيماءٌ إلى هذا المعنى.
الراغبُ: الذكرُ: تارةً يقالُ ويرادُ به هيئةٌ للنفسِ بها يمكنُ للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه