هو الذي هوّنه عندهم. ويجوز أن يكون (يَعْلَمُ) متروكا بلا تعدية، بمعنى: لو كان معهم علم ولم يكونوا جاهلين لما كانوا مستعجلين. و (حين): منصوب بمضمر، أى حين (لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ) يعلمون أنهم كانوا على الباطل وينتفي عنهم هذا الجهل العظيم، أى: لا يكفونها، بل تفجؤهم فتغلبهم. يقال للمغلوب في المحاجة: "مبهوت". ومنه: (فبهت الذي كفر)] البقرة: ٢٥٨ [، أى: غلب إبراهيم عليه السلام الكافر. وقرأ الأعمش: "يأتيهم... فيبهتهم"، على التذكير. والضمير للوعد أو للحين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بهذا إلى وجه توفيق النظم بين الآيات، وذلك أن قوله: (الَّذِينَ كَفَرُوا) في قوله تعالى: (وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) تكريرٌ لقوله: (الَّذِينَ كَفَرُوا) في (أَوَلَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ)، وهو كما سبق، مُظهرٌ وُضع موضع مضمر، المعنيُّ به القائلون: (اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً)، فالمعنى: أنهم إنما استحقوا أن يُسموا كفاراً؛ لأنك لما عددت عليهم تلك الآيات الدالة على القدرة الباهرة، والحكمة البالغة، من الآثار: العلوية والسُّفلية، وأدمغت باطلهم وألقمتهم الحجر، أعرضُوا عنها وتمنوا موتك، واستهزؤوا بك وصغروا شأنك. ولما أنذرتهم بالعذاب، وأوعدتهم بنزول الهوان استعجلوه تكذيباً، وذلك لجهلهم؛ لأنهم لو علموا ذلك الوقت الصعب لما ارتكبوا هذا الصعب، ولما أريد أن ينقل من الكفر والاستهزاء أتى بقوله: (خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ) تمهيداً؛ ويتخلص منه إليه، وإليه الإشارة بقوله: "فأراد نهيهم عن الاستعجال فقدم أولاً ذم الإنسان... ثم نهاهم وزجرهم"،
قوله: (ويجوز أن يكون (يَعْلَمُ) متروكاً): عطفٌ على قوله: " (حِينَ): مفعولٌ به لـ (يَعْلَمُ) "، أي: متروكاً مفعوله: نسياً منسياً، ومن ثم قال: "لو كان معهم علمٌ"، فحينئذ لابد لقوله: (حِينَ) من متعلق، فيقدرُ ما دل عليه (يَعْلَمُ)، والجملة مستأنفةٌ، كأنه لما قيل: لو وُجد منهم علمٌ لما استعجلوا، اتجه لسائل أن يقول: فحين لم يحصل لهم العلمُ الآن فمتى يحصلُ به؟ فقيل: يعلمون حين لا يقدرون أن يدفعوا النار عن أنفسهم.
قوله: (أي: غلب إبراهيمُ الكافر). الراغب: قال الله تعالى: (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)


الصفحة التالية
Icon