ما يفعلونه به يحيق بهم، كما حاق بالمستهزئين بالأنبياء عليهم السلام ما فعلوا.
(قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ) [الأنبياء: ٤٢]
(مِنَ الرَّحْمنِ) أى من بأسه وعذابه (بَلْ هُمْ) معرضون عن ذكره لا يخطرونه ببالهم، فضلا أن يخافوا بأسه، حتى إذا رزقوا الكلاءة منه عرفوا من الكالئ وصلحوا للسؤال عنه. والمراد أنه أمر رسوله عليه الصلاة والسلام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (ما فعلوا) فاعل "حاق".
قوله: (والمرادُ أنه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم)، اعلم أن في هذه الآيات إضراباتٍ توجبُ أن يُراعى فيها ما يوجبه من التدرج، والمصنفُ نظر- في تقريره - إلى ذلك المعنى.
قوله: "والمرادُ أنه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم"، يريد أنه صلوات الله عليه وسلامه أُمر أولاً بقوله: (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ الرَّحْمَنِ) أن يسألهم سؤال تقريع وتوبيخ، يعني: أنتم تستعجلون العذاب وتقولون: (مَتَى هَذَا الْوَعْدُ) تكذيباً واستهزاءً بالبعث، وذلك وقتٌ صعبٌ شديدٌ تحيطُ بكم النارُ من كل جانب، ومجيء ذلك مفروغٌ عنه، فمن يكلؤكم من بأسه ونقمته إن قدر إنزاله الآن؟ ثم أضربَ عن هذا السؤال بقوله: (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ) وترقى فيه أي: دعهمُ الآن عن هذا السؤال؛ لأنهم لا يصلحون له لإعراضهم عن ذكر الله فلا يُجدي فيهم، واتركهم حتى إذا ورطوا في الهلاك عرفوا من الكالئ، فحينئذ سلهم سُؤال تقريع: من يكلؤكم؟ كقوله تعالى: (حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ)، إلى قوله: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ


الصفحة التالية
Icon