ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الْحَقِّ) [يونس: ٢٢ - ٢٣]، وهو المراد من قوله: "حتى إذا رُزقوا الكلاءة منه، عرفوا من الكالئ وصلحوا للسؤال".
هذا المعنى يُعطيه هذا الإضرابُ تعريضاً، ثم ترقى إلى ما هو أبلغ منه، وقيل: (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا) أي: دع هذا، وسل: متى يُتصور أنهم لم يكونوا تحت كلائنا وحفظنا، وأن أصنامهم متى كانت تحميهم وتمنعهم من الآفات؟ أفلا يعقلون أن ما ليس بقادرٍ على نصر نفسه ومنعها، كيف يمنعُ غيره وينصره؟ وإليه الإشارة بقوله: "ثم أضرب عن ذلك" أي: ذلك السؤال وهو "من يحرسكم"، ثم قال: (بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ) أي: بل ما هم فيه من الحفظ إنما هو من استدراج، فهو إضرابٌ من نفس السؤال، أي: لا تسألهم عن شيء لأنه لا يجديهم، ولا ينفعُ الإنذار فيهم؛ لأنه طال عليهم الأمدُ فقست قلوبهم؛ فإنك قد أبلغت وأديت ما عليك، بقي أن تُعاملهم بالإهلاك على سبيل التدرج بالاستئصال في الدنيا، والنار في العقبى، أغفلوا وعملوا، فلا يرون كيف شرعنا في ذلك، حيث إننا ننقص دار الكفر، ونحذفُ أطرافها بتسليط المسلمين عليها، وإهارهم على أهلها، فينظروا هل يقدرون على دفعه، فهم الغالبون أم المغلوبون؟
فالفاء في (أَفَلا يَرَوْنَ) لعطفِ الجملة على المقدر، وفي (أَفَهُمْ) على المذكور، والهمزة الثانية مكررةٌ مقحمةٌ بين المعطوف والمعطوف عليه، لتأكيد التقرير على سبيل التعكيس، أ]: أفلا ينظرون كيف نغلبهم وننقص من أطراف أرضهم فهم الغالبون أم نحن؟
وإنما خولف في الإضراب الثاني بأن أتى "بأم" المتضمنة للهمزة وبل؛ ليؤذن بالاهتمام، وأن الجملة مستطردةٌ بين الإضرابين بـ"بل".