بسؤالهم عن الكالئ، ثم بين أنهم لا يصلحون لذلك لإعراضهم عن ذكر من يكلؤهم.
(أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) [الأنبياء: ٤٣].
ثم أضرب عن ذلك بما في «أم» من معنى «بل» وقال (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ) من العذاب تتجاوز منعنا وحفظنا. ثم استأنف فبين أنّ ما ليس بقادر على نصر نفسه ومنعها ولا بمصحوب من الله بالنصر والتأييد، كيف يمنع غيره وينصره؟
(بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَاتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) [الأنبياء: ٤٤].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولما أُريد أن ينتقل من عذاب الاستئصال إلى عذاب النار، وهو قوله: (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ) الآية، وسط بينهما ما هو مهم بشأنه من حديث الوحي، وهو قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ) توكيداً ليتخلص منه إليه، وإليه الإشارة بقوله: "ولئن مستهم من هذا الذي يُنذرون به أدنى شيء لأذعنوا"، وفيه أن قوله: (مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ) وُضع موضع المضمر.
والذي يدل على أن قوله: (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ) متعلقٌ بأحوال القيامة: إيقاعُ قوله تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) حالاً من الضمير في (لَيَقُولُنَّ) بتقديرِ: نحنُ نضعُ، خالياً عن الضمير، على منوالِ: جئتُكَ والشمسُ طالعةٌ.
نقلَ بعضُ الشارحين "للكافيةِ" عن المصنفِ أنه قال في حواشي "المفصل": إن مثل قولك: أتيته وزيدٌ قائمٌ، ليست الحالُ هنا بيان هيئة الفاعل ولا المفعول، ولكنها بيانُ لازم الفاعل أو المفعول، وقد استمر في كلام العرب: العبارةُ عن الملزوم باللازم، فاللازمُ هنا: زمانُ الإتيان، فكأنه بيان ذاتهما، على أن من الجائز أن يكون الحالُ هنا لبيان هيئة الفاعل صريحاً؛ لأن الذي أقيم مقام العائد العمومُ في قوله: (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً)، المعنى: ليقولُنَّ: إن كنا ظالمين، الحالُ أنهم لا يُظلمون شيئاً.