والطرد، كأنه قيل: إن ارتبتم في البعث فمزيل ريبكم أن تنظروا في بدء خلقكم. و"العلقة": قطعة الدم الجامدة. و"المضغة": اللحمة الصغيرة قدر ما يمضغ. و"المخلقة": المسواة الملساء من النقصان والعيب. يقال: خلق السواك والعود، إذا سواه وملسه، من قولهم: "صخرة خلقاء"، وإذا كانت ملساء، كأنّ الله تعالى يخلق المضغ متفاوتة: منها ما هو كامل الخلقة أملس من العيوب، ومنها ما هو على عكس ذلك فيتبع ذلك التفاوت تفاوت الناس في خلقهم وصورهم وطولهم وقصرهم، وتمامهم ونقصانهم. وإنما نقلناكم من حال إلى حال ومن خلقة إلى خلقة (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) بهذا التدريج قدرتنا وحكمتنا وأن من قدر على خلق البشر من تراب أولا، ثم من نطفة ثانيا ولا تناسب بين الماء والتراب وقدر على أن يجعل النطفة علقة وبينهما تباين ظاهر، ثم يجعل العلقة مضغة والمضغة عظاما: قدر على إعادة ما أبدأه، بل هذا أدخل في القدرة من تلك، وأهون في القياس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فمُزيلُ ريبكم، أن تنظروا في بدء خلقكم)، يريدُ أن قوله: (فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ) جزاءٌ لقوله: (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ)، وشرط الجزاء أن يكون مسبباً عن الشرط، فلابد هاهنا من التأويل، فيقالُ: كونُكم في ريبٍ من البعث سببٌ حاملٌ للتنيه على النظر المؤدي إلى مزيل الريب، والإشارة إلى طريق الحق والصواب، وهو: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ) الآية، ولأن الكلام مع المرتابين؛ لأن التعريف في الناس للعهد، والمعهودُ: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ)، وكان من حق الظاهر: إذا كنتم في ريب، ففُرضَ ريبُهم فيه كما تُفرضُ المحالاتُ بعثاً لهم على النظر، وإرشاداً إلى أن المقام ليس موقعاً للريب ومنة له لوضوح دلائله، وسُطوع براهينه، فهو كقوله تعالى: (وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة: ٢٣].
قوله: (وأهونُ في القياس)، أي: عند الناس وتقديرهم، وإلا فإن إرادة الله إذا تعلقت بشيء كان كما قال: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس: ٨٢]. فالإبداء والإعادةُ سواءٌ.