لغرضين، أحدهما: أن نبين قدرتنا. والثاني: أن نقر في الأرحام من نقرّ، حتى يولدوا وينشؤا ويبلغوا حد التكليف فأكلفهم. ويعضد هذه القراءة قوله (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنفُ: "فإن قلتَ: كيف صح عطفُ (لِتَبْلُغُوا) على (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) ولا طباق؟ قلتُ: بل الطباقُ حاصلٌ؛ لأن قوله: (وَنُقِرُّ) قرينٌ للتعليل، ومقارنته له والتباسهُ به ينزلانه منزلةَ نفسه، فهو راجعٌ من هذه الجهة إلى متانة القراءة بالنصب.
هذا السؤال والجواب في بعض النسخ مثبت في المتن.
قوله: (ويعضد هذه القراءة قوله: (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ))، أي: قراءة النصب، وذلك أن قوله: (لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) يدل على التدرج والبلوغ إلى الغاية، فجيء من قوله: (وَنُقِرُّ)، (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ)، (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) منسوقاً على نسق التدرج، بخلاف القراءة بالرفع، وقلتُ: القراءةُ بالرفع، وهي التي اجتمع عليها الأئمة، أمتن معنى، وأمكن ترصيفاً؛ لأن قوله: (وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ) إلى آخره عطفٌ على (خَلَقْنَاكُمْ)، فاجتمع مع ذكر تلك الأطوار ذكرُ الزمانين: زمان لُبثِ الجنين في رحم الأم! ِ، وزمان المُكثِ في الدنيا من ابتداء الطفولة إلى البلوغ وإلى انتهاء الشيخوخة والرد إلى أرذل العمر، فلا يكون (لِتَبْلُغُوا) عطفاً على (لِنُبَيِّنَ) كما ذكرَ، بل على (نُخْرِجُكُمْ) كما عليه القراءةُ بالنصب، ويكون قوله: (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) واقعاً في البين اعتراضاً؛ لأن الكلام إلى آخر الآية سيق في الرد على مُنكري البعثِ والاحتجاج عليهم، ولبيان إثبات قُدرته الكاملة، وعلمه الشامل، فلا يختص البيانُ ببعضه دون بعض، لكن لما اشتمل تلك الأطوار السابقة على احتقار المنكر من كونه نطفةً وعلقةً ومُضغةً، أبرز (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) تنبيهاً على اختصامه مع احتقاره، كما قال: (أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) [يس: ٧٧]، وقال: (إِنَّا


الصفحة التالية
Icon