ما كان غرضه من جداله الضلال عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فكيف علل به؟ وما كان أيضا مهتديا حتى إذا جادل خرج بالجدال من الهدى إلى الضلال؟ قلت: لما أدّى جداله إلى الضلال، جعل كأنه غرضه، ولما كان الهدى معرضا له فتركه وأعرض عنه وأقبل على الجدال بالباطل، جعل كالخارج من الهدى إلى الضلال. و"خزيه": ما أصابه يوم بدر من الصغار والقتل، والسبب فيما منى به من خزى الدنيا وعذاب الآخرة: هو ما قدمت يداه، وعدل الله في معاقبته الفجار وإثابته الصالحين.
[(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ* يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ* يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ)].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وما كان غرضه في جداله الضلال)، تلخيص السؤال أن قوله: (لِيُضِلَّ) إما أن يتعلق به (يُجَادِلُ) تعليلاً أو (ثَانِيَ عِطْفِهِ)؛ وعلى الأول كيف يستقيم؛ لأن أحداً لا يجادل ليضل؟ وعلى الثاني أنَّى يتسنى؛ لأن الثني للضلال مسبوقُ بوجود الاهتداء؟ وأجاب عن الأول أن اللام مثلها في قوله: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) [القصص: ٨]، وعن الثاني أنه من قبيل (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى) [البقرة: ١٦] في جعلِ التمكن على الهدى كالحصول عليه.
قوله: (معرضاً له)، من "أعرضً" بمعنى: مكن، أي: ممكناً، من العُرض وهو الجانب. والعرضة: المتعرض للأمر، قال:
فلا تجعلوني عرضة للوائم
قوله: (فيما مُني به)، الأساس: مُني بكذا: بُلي به، وهو ممنوٌّ به.


الصفحة التالية
Icon