على نفسه محنتين، إحداهما: ذهاب ما أصيب به. والثانية: ذهاب ثواب الصابرين، فهو خسران الدارين.
وقرئ: "خاسر الدنيا والآخرة" بالنصب والرفع، فالنصب على الحال، والرفع على الفاعلية. ووضع الظاهر موضع الضمير، وهو وجه حسن. أو على أنه خبر مبتدأ محذوف.
استعير (الضَّلالُ الْبَعِيدُ) من ضلال من أبعد في التيه ضالا، فطالت وبعدت مسافة ضلالته.
فإن قلت: الضرر والنفع منفيان عن الأصنام مثبتان لها في الآيتين، وهذا تناقض. قلت: إذا حصل المعنى ذهب هذا الوهم، وذلك أن الله تعالى سفه الكافر بأنه يعبد جمادا لا يملك ضرا ولا نفعاً، وهو يعتقد فيه بجهله وضلاله أنه يستنفع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقرئ: "خاسر الدنيا والآخرة")، قال ابن جني: هي قراءة مجاهد وحُميد بن قيس، على معنى: انقلب على وجهه خاسراً؛ لأنه على تقديرالانفصال. وقراءة الجماعة: (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ)، الجملة بدل من قوله: (انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ)، فكأنه قال: إن أصابته فتنةٌ خسر الدنيا والآخرة.
قوله: (ووضع الظاهر موضع الضمير)، لأن في (انقَلَبُ) الضمير المرفوع الراجع إلى "الناس"، فإذا جُعِلَ "خاسر الدنيا" فاعلاً له، وانقلب المستتر بارزاً ظاهراً، فقد آذن بأن من يعبد الله على حرف هو الخاسر الدامر، ففيه تعليلٌ، وإليه الإشارة بقوله: "وهو وجهٌ حسن"، وعلى المشهورة: (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ)، كالتوضيح والبيان للجملة السابقة وتكرير معنى الخسران والتصوير؛ لأن فائدة البدل التفسيرُ والتوكيد، وعلى أن يكون "خاسرُ": خبر مبتدأ محذوف، تكونُ الجملة واردةً على الذم والشتم، وعلى الال تكون مؤكدة، نحو قوله تعالى: (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) [التوبة: ٢٥].