أو كرّر يدعو، كأنه قال: يدعو يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه، ثم قال: لمن ضره بكونه معبودا أقرب من نفعه بكونه شفيعا لبئس المولى. وفي حرف عبد الله: "من ضره"، بغير لام. "المولى": الناصر. و"العشير": الصاحب، كقوله (فَبِئْسَ الْقَرِينُ) [الزخرف: ٣٨].
[(إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ* مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ) ١٤ - ١٥]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أو كرر يدعو)، قال أبو البقاء: (يَدْعُوا) إذا قُدر مكرراً لا يكون له معمول، لا لفظاً ولاتقديراً.
وقلتُ: فعلى هذا (يَدْعُوا) في الموضعين بمعنى: يعبُد، ولهذا قدر في الجملة الثانية معنى العبودية. وقال: "لمن ضرُّه بكونه معبوداً"، فالجملة الاثنية استئنافٌ على بيان الموجب، فنه تعالى لما قبح فعلهم وشنعَ عليهم عبادتهم لما لا ينفع ولا يضر، اتجه لسائل: لماذا هي النقيصة لهم في معبودهم؟ فقيل: (لَمَنْ ضَرُّهُ) إلى آخره. المعنى: من ضره أقربُ من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير، فكيف بما كله ضر ولايوجد فيه نفعٌ البتة.
قوله: (وفي حرف عبد الله: "من ضره" بغير لام)، وهي مؤذنةٌ بأن اللام في (لمَن): زائدةٌ. قال ابن الحاجب: قيل: إن اللام في (لَمَنْ ضَرُّهُ) زائدةٌ، و"من ضرُّه" في موضع نصب مفعول (يَدْعُوا). وليس بشيء؛ لأن اللام المفتوحة لا تُزاد بين الفعل ومفعوله.
وقال الفراءُ: إن اللام مقدمةٌ عن موضعها، والتقدير: يدعو من لضره أقربُ من نفعه. وليس بجيدٍ أيضاً؛ لأن لام الابتداء لا تتقدمُ عن موضعها، وأيضاً ما في صلة الذي لا يتقدمُ عليها.