فإن قلت: فما تصنع بقوله (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) وبما فيه من الاعتراضين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاستعارة؛ لأنها نوعٌ من المجاز الذي العلاقة فيه التشبيه، يعني: استعار السجود المتعارف وهو وضعُ الجبهة على الأرض خُضعاناً للباري لمطاوعة الأشياء له فيما يحدث فيها من أفعاله لعلاقة الحصول على وفق إرادته، وجريان مشيئةٍ من غير امتناع منها، كقوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس: ٨٢]، كل نوع من أنواعه المختلفة، سواءٌ كانت حقيقةً أم مجازاً مُراداً منهذا العام دفعةً واحدة.
قوله: (فإن قلت: فما تصنعُ بقوله: (وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ)؟ )، يعني: هذا يرد تأويلك السجود من وجهين:
أحدهما: أن هذا المعنى شامل للجماد والحيوان والمطيع والعاصي، فأي فائدة في ذكر (وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ)؟
وثانيهما: أن إسناد السجود إلى المذكورات يوجبُ أن شيئاً منها لا يخرجُ عن هذا الحكم، ومفهوم قوله تعالى: (وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ) يخرجُ البعض نمه فيلزمُ التناقض.
وأما جوابه: "لا أنظم "كثيراً" من المفردات"، يعني: لا أجعلُ العطف من باب عطفِ المفرد على المفرد، بل أجعله منباب عطف الجملة، وأضمرُ عاملاً آخر، وأفسرُ السجود الأول بالمطاوعة والانقياد، والثاني بالمتعارف، هو الطاعة والعبادةن ليكون من باب عطف الخاص على العام من حيث الفعل والفاعل تشريفاً لعباده الصالحين فليدفع هذا السؤال، لا ان عموم المجاز يقتضي ذلك. فلا يردُ أيضاً ما أوردهُ صاحب "الفرائد"، وقال: إن اللفظ الواحد لا يصلح استعماله على معنيين مختلفين منظورٌ فيه، ولا شك أن قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) [الأحزاب: ٥٦] أن الصلاة مستعملةٌ على معنيين مختلفين في حالة واحدة لما قررنا أن المانع عطفُ (وَكَثِيرٌ) على (مِنَ)، فيجوز أن تُحمل الصلاةُ عليه - صلواتُ الله وسلامه عليه- للاعتناء بشأنه، وإظهار شرفه


الصفحة التالية
Icon