أحدهما: أنّ السجود على المعنى الذي فسرته به، لا يسجده بعض الناس دون بعض. والثاني: أنّ السجود قد أسند على سبيل العموم إلى من في الأرض من الإنس والجن أولا، فإسناده إلى كثير منهم آخرا مناقضة؟ قلت: لا أنظم كثيرا في المفردات المتناسقة الداخلة تحت حكم الفعل، وإنما أرفعه بفعل مضمر يدل عليه قوله (يَسْجُدُ) أى ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة.
ولم أقل: أفسر (يسجد) الذي هو ظاهر بمعنى الطاعة والعبادة في حق هؤلاء، لأنّ اللفظ الواحد لا يصحّ استعماله في حالة واحدة على معنيين مختلفين، أو أرفعه على الابتداء والخبر محذوف وهو "مثاب"، لأنّ خبر مقابله يدل عليه، وهو قوله (حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) ويجوز أن يجعل (مِنَ النَّاسِ) خبرا له، أى: من الناس الذين هم الناس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونبوته، أمره صلوات الله وسلامه عليه على عموم المجاز، فتكون مستعملةً على حقيقته مختلفتين في حالة واحدة؛ لأنه لا صارف.
قوله: (ولم أقل: أفسرُ (يَسْجُدُ))، "أفسرُ"، بدلٌ من "أقلْ"، أو عطفُ بيان، أي: لم أرفع "كثير" بالفعل المذكور، ولم أفسرِ الفعل المذكور بمعنى المطاوعة والعبادة معاً.
قوله: (ويجوز أن يُجعل (مِنْ النَّاسِ) خبراً له)، أي: لـ"كثير"، وهو نكرةٌ صرفة. قال صاحب "التقريب": مصححه التنوين نحوُ: "شرٌّ أهر ذا ناب".
وقلت: المعنى: كثيرٌ له فضلٌ واعتدادٌ لا يخفى على كل أحدٍ وهم المؤمنون الكاملون؛ لكونه مقابلاً لقوله: (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ)، ويجوز أن يكون المصحح وقوعه مقابلاً لمن يضاده، فيكون كتعريف غير إذا وقع بين الضدين، أو يكون على منوال قول الشاعر: