على الحقيقة وهم الصالحون والمتقون. ويجوز أن يبالغ في تكثير المحقوقين بالعذاب، فيعطف كثير على كثير، ثم يخبر عنهم ب (حقّ عليهم العذاب)، كأنه قيل: وكثير وكثير من الناس حق عليهم العذاب، وقرئ: "حق"، بالضم. وقرئ: "حقا"، أى حقّ عليهم العذاب حقا. ومن أهانه الله - بأن كتب عليه الشقاوة لما سبق في علمه من كفره أو فسقه - فقد بقي مهانا «١»، لن تجد له مكرما. وقرئ: "مكرم"، بفتح الراء بمعنى الإكرام. (إنه يَفْعَلُ ما يَشاءُ) من الإكرام والإهانة، ولا يشاء من ذلك إلا ما يقتضيه عمل العاملين واعتقاد المعتقدين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيومٌ علينا ويومٌ لنا | ويومٌ نساءُ ويومٌ نسرُّ |
قوله: (ومن أهانه الله)، والتلاوة (يُهِنْ اللَّهُ) مؤذن بأن إيثار المضارع في الآية للاستمرار لا لمطلق الإخبار.
قوله: (ولا يشاءُ من ذلك إلا ما يقتضيه عملُ العاملين)، يعني: إن كان العاملُ مؤمناً يشاء الثواب، وإن كان بخلافه فالعقاب بناء على أن المشيئة تابعة لأعمال العباد كما هو معتقده، لكن النظم يقتضي خلافه؛ لأن قوله: (وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) تذييلٌ لقوله: (أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ) الآية، يعني: ألا تتعجب من حال المخالفين، فإن الكائنات مطوعةٌ لله خاضعةٌ لجلاله، وكثيرٌ من عباده الصالحين ساجدون له مطيعون أمره منتهون عن نواهيه، وهؤلاء الكفرة الين حق عليهم العذاب كيف خرجا من هذه الكرامة (وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ)؟ وما ذلك إلا أن المشيئة تعلقت بإهانتهم.